انتظر الشارع الإيراني طويلاً سماع خبر إلغاء العقوبات الاقتصادية عن البلاد بعد سنين طويلة من دفعه الثمن، وهو ما تحقق بالفعل مساء أول من أمس (السبت)، معيداً أجواء الفرحة إلى الشارع الإيراني والتي كانت قد سادت مع توقيع الاتفاق النووي الإيراني قبل أشهر. لكن ردود الفعل الإيجابية في الداخل الإيراني ترافقت مع تخوّف من ضغوط وعقوبات جديدة على إيران، خصوصاً بعد كلام رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي واصل التحذير من مخاطر النووي الإيراني وكلامه عن أن طهران تريد "القضاء" على إسرائيل و"غزو الشرق الأوسط"، فيما جاءت تصريحات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أمس الأحد لتشيد بـ "التقدم التاريخي" الذي تحقق بفضل الدبلوماسية الأميركية، لكنه شدد في الوقت نفسه على "الخلافات العميقة" التي لا تزال قائمة بين واشنطن وطهران. وتوقف أوباما عند أهمية "بدء تنفيذ اتفاق حول الملف النووي إلى جانب لم شمل عائلات أميركية"، إذ أطلقت إيران أربعة إيرانيين يحملون الجنسية الأميركية وهم مراسل صحيفة "واشنطن بوست" في طهران جيسون رضائيان، والقس سعيد عابديني، وامير حكمتي، ونصرة الله خسروي، والذين غادروا إيران أمس على متن طائرة سويسرية كما أفاد التلفزيون الرسمي الإيراني.
كل هذا يجعل إيران تتحضّر للمرحلة المقبلة، التي يعدّ الاقتصاد على رأس ملفاتها، ومن كل التصريحات الرسمية يبدو واضحاً أن البلاد تسعى لتطوير قطاع الطاقة بالذات، فالنفط والغاز والصناعات البتروكمياوية مغرية كثيراً للمستثمرين الأجانب، كما أن عائدات هذا القطاع من جهة ثانية قد تنتشل الإيرانيين من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي أثقلت كاهلهم طيلة سنوات الحظر الفائتة.
اقرأ أيضاً: الصحف الإيرانية تحتفل: العقوبات انتهت
من جهة ثانية، عاد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من فيينا التي أعلن منها قرار إعطاء الضوء الأخضر لتطبيق الاتفاق وفتح المجال أمام إلغاء الحظر عن البلاد، ليتوجّه مباشرة مع روحاني إلى البرلمان حيث قدّم الأخير موازنة حكومته الجديدة. لاقى حضور ظريف الكثير من الثناء من قِبل نواب البرلمان الذي يسيطر الطيف المحافظ على غالبية مقاعده، هذا البرلمان هو ذاته الذي وقف بعض أعضائه ضد الاتفاق النووي كونهم تخوّفوا من عدم وفاء الغرب بوعده برفع العقوبات، كما اعتبروا سابقاً أن المفاوضين الإيرانيين منحوا تنازلات جمة، وعلى الرغم من قلق البعض المستمر، إلا أن الغالبية بدوا أكثر ارتياحاً، فالكل في إيران يريد تذوق حلاوة مرحلة ما بعد إلغاء العقوبات.
وخلال حضور ظريف وروحاني، قال رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني، إن النظام في إيران اتخذ قراراً صائباً، حيث احتفظ بالتكنولوجيا النووية باعتراف الكل دولياً، وحصل على امتياز إلغاء العقوبات، مضيفاً في كلمته إن ما جرى ما هو إلا الخطوة الأولى، وعلى الكل بعدها العمل على ترميم وبناء اقتصاد البلاد.
أما رئيس لجنة الأمن القومي علاء الدين بروجردي فأكد أن هذه اللجنة ستكون بالمرصاد للطرف الغربي، وستراقب تنفيذ التعهدات عن كثب، ولن تتوانى عن الرد على أي نقض، متوقعاً حصول المزيد من الضغوطات على إيران في ظل رفض اللوبي الصهيوني والمتشددين في الكونغرس الأميركي لحل المسائل مع بلاده، حسب رأيه.
وعلى الرغم من كل التفاؤل والإيجابية في تعاطي معظم المسؤولين الإيرانيين مع قرار إلغاء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية للعقوبات، لكن يبدو الحذر واضحاً بين التصريحات، وقد نشرت بعض المواقع الإيرانية المحسوبة على المحافظين في وقت سابق تقارير تظهر التخوّف من فرض عقوبات أميركية جديدة لا ترتبط بالنووي، وهو ما حدث بالفعل مع إعلان وزارة الخزانة الأميركية، عصر أمس الأحد، فرض عقوبات جديدة تتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، مشيرة إلى أنها أدرجت خمسة مواطنين إيرانيين وشبكة من الشركات العاملة في الإمارات والصين على القائمة المالية الأميركية السوداء.
وعقب الإعلان الأممي الذي أكد رفع الحظر، عقدت اللجنة الشعبية الإيرانية للحفاظ على الحقوق النووية اجتماعاً استقبلته وكالة "فارس" المحسوبة على الطيف المتشدد، صدر عنه بيان يدعو لعدم تطبيق بنود الاتفاق على الطريقة الأميركية والحذر من خداع الغرب.
في الساحة الإعلامية الإيرانية وعلى الرغم من الترحيب بالتطورات، فإن عدداً من الخبراء دعوا لعدم التفاؤل كثيراً، والتعامل بواقعية مع المعطيات الحقيقية على الأرض ولا سيما تلك المتعلقة بالاقتصاد. أما فيما يتعلق بالتزامات إيران المتبقية، فبعد تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية تنفيذ البلاد لتعهداتها التقنية والفنية في المنشآت النووية، فهناك ملف آخر متعلق بتوقيع إيران على البروتوكول الإضافي من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية. يذكر أن ظريف قال خلال إصدار بيان فيينا المشترك، إن بلاده ستلتزم بكل التعهدات وستدخل في البروتوكول الإضافي. ويبقى التوقيع على هذا البروتوكول أمراً طوعياً وليس إجبارياً، وهذا ما جاء في نص الاتفاق النووي المعلن عنه في يوليو/تموز الماضي، لكن الحكومة الإيرانية تحاول التوقيع عليه من باب حسن النوايا ومد جسر الثقة مع الغرب. إلا أن القرار النهائي يقع على عاتق البرلمان المحافظ حالياً.
اقرأ أيضاً: أوباما يبلغ الكونغرس رفع العقوبات عن إيران