06 نوفمبر 2024
إيران في البازار الروسي
قبل توجهه إلى العاصمة الفنلندية هلسنكي، للقاء نظيره الأميركي، دونالد ترامب، في أول قمة خاصة بهما، استقبل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مستشار المرشد وأبرز وجوه النظام الإيراني، علي أكبر ولايتي، والذي جاءت زيارته موسكو لافتة لجهة التوقيت، ونوع الرسالة، وشخص حاملها أيضًا. أما التوقيت فكان بعد يوم من لقاء الرئيس بوتين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو (في زيارته الثامنة لموسكو منذ التدخل العسكري الروسي في سورية خريف العام 2015، والثالثة هذا العام)، وقبل ثلاثة أيام من قمة هلسنكي الروسية - الأميركية.
بين لقاء بوتين- نتنياهو وقمة بوتين – ترامب، أوفدت إيران مستشار مرشدها، للوقوف على تفاصيل موقف موسكو وحقيقة التسريبات الصحافية عن "صفقة" روسية – أميركية، تعمل إسرائيل و"أصدقاؤها العرب" على ترتيبها، والتوسط فيها، وتشمل إيران وسورية، وربما القرم أيضا. بحيث تخلي موسكو بين واشنطن وطهران في مقابل انسحاب الولايات المتحدة من سورية وتركها لروسيا لترتب أوضاعها (بما في ذلك إخراج إيران منها أو من أجزاء فيها)، وتنازلات في أوكرانيا تشمل القرم، ووقف مبيعات الأسلحة الأميركية لكييف.
هذا عن التوقيت، أما الرسول فلم يكن إلا علي أكبر ولايتي، المحسوب على جناح روسيا في النظام الإيراني، وهو الذي قصدها لدعوتها إلى التدخل في سورية إلى جانب قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ونائب وزير الخارجية في ذلك الوقت، حسين أمير عبد اللهيان، والذي كان يقوم مقام وزير الخارجية، قبل أن يتخلص منه جناح ظريف – روحاني، الساعي إلى تقارب مع الغرب، بدلًا من روسيا.
أما مضمون الرسالة التي قال عنها ولايتي إنها "تمثل انعطافة في تاريخ العلاقات الروسية -الإيرانية"، فلم يكن سوى عرض ضخم من طهران لإقناع موسكو بعدم السير في الصفقة المزعومة، والتخلي عنها في مواجهة صعبة منتظرة مع واشنطن، بخصوص ملفها النووي، ووجودها العسكري في سورية، ونفوذها الإقليمي وبرامجها الصاروخية.
يتضمن تفاصيل العرض الذي طرحه ولايتي فتح قطاع النفط والغاز الإيراني بالكامل (إيران تملك رابع احتياط نفط في العالم وثاني احتياط غاز طبيعي) أمام عملاقي النفط والغاز الروسيين، "روسنفت" و"غاز بروم"، وتحويل كل الاستثمارات من الشركات الأوروبية المنسحبة من السوق الإيرانية بسبب العقوبات الأميركية إلى الشركتين الروسيتين، أي منح روسيا ما يشبه حقوق امتياز حصرية في تطوير قطاع الطاقة الإيراني، تصل قيمة الاستثمار فيها، بحسب الروس، إلى 50 مليار دولار، لكن بوتين الذي يدرك حجم المأزق الإيراني، ويسعى إلى تحقيق أقصى فائدة ممكنة من ظروف المواجهة التي تخوضها إيران مع إدارة ترامب، يطمع بأكثر من ذلك. إذ طرح على الموفد الإيراني إنشاء ما يشبه صيغة "النفط مقابل الغذاء" التي كانت سائدةً في العراق أيام الحصار. وبموجب هذا المقترح، تعرض روسيا الحصول على كامل إنتاج إيران من النفط المخصص للتصدير، والذي قد يصل إلى 2,6 مليون برميل يوميا في مقابل بضائع روسية، وفيما تقدّم روسيا هذا المقترح كأنه معروف تصنعه لتتيح لإيران الالتفاف على العقوبات الأميركية، الا أن حجم المكاسب الروسية المتحققة منه عظيم. وبخلاف تصريف بضائعها في السوق الإيرانية، وبيع النفط الإيراني لحسابها في الأسواق العالمية، تحقّق موسكو مكاسب جيوسياسية كبيرة، إذ يجعل هذا المقترح من روسيا، بإضافة صادرات إيران (6% من صادرات النفط في العالم) إلى صادراتها (11%) اللاعب الأول في سوق النفط العالمية، متفوقة على السعودية (16%) كأكبر مصدر للنفط، ويقضي نهائيا على أي فرص بتحول إيران إلى بديل محتمل للغاز الروسي إلى السوق الأوروبية، وهو ما كانت تطمح إليه أوروبا وإيران من وراء الاتفاق النووي.
هذا يعني أن روسيا تسعى إلى أكثر بكثير مما يعرضه ولايتي: أي سيطرة مطلقة على قطاع الطاقة الإيراني، من استكشاف وإنتاج وبيع وتوزيع (كما الحال أيام السيطرة البريطانية عبر شركة النفط الأنغلو- إيرانية قبل تأميمات مصدّق عام 1951). هذا يحول إيران فعليًا إلى محمية روسية. فهل يكون هذا الثمن الذي يطلبه بوتين لعدم بيع إيران إلى الأميركيين والإسرائيليين؟ وهل غدا أصحاب البازار الأشهر جزءا من بازار أكبر، ساقتهم إليه أوهام القوة والهيمنة؟
بين لقاء بوتين- نتنياهو وقمة بوتين – ترامب، أوفدت إيران مستشار مرشدها، للوقوف على تفاصيل موقف موسكو وحقيقة التسريبات الصحافية عن "صفقة" روسية – أميركية، تعمل إسرائيل و"أصدقاؤها العرب" على ترتيبها، والتوسط فيها، وتشمل إيران وسورية، وربما القرم أيضا. بحيث تخلي موسكو بين واشنطن وطهران في مقابل انسحاب الولايات المتحدة من سورية وتركها لروسيا لترتب أوضاعها (بما في ذلك إخراج إيران منها أو من أجزاء فيها)، وتنازلات في أوكرانيا تشمل القرم، ووقف مبيعات الأسلحة الأميركية لكييف.
هذا عن التوقيت، أما الرسول فلم يكن إلا علي أكبر ولايتي، المحسوب على جناح روسيا في النظام الإيراني، وهو الذي قصدها لدعوتها إلى التدخل في سورية إلى جانب قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ونائب وزير الخارجية في ذلك الوقت، حسين أمير عبد اللهيان، والذي كان يقوم مقام وزير الخارجية، قبل أن يتخلص منه جناح ظريف – روحاني، الساعي إلى تقارب مع الغرب، بدلًا من روسيا.
أما مضمون الرسالة التي قال عنها ولايتي إنها "تمثل انعطافة في تاريخ العلاقات الروسية -الإيرانية"، فلم يكن سوى عرض ضخم من طهران لإقناع موسكو بعدم السير في الصفقة المزعومة، والتخلي عنها في مواجهة صعبة منتظرة مع واشنطن، بخصوص ملفها النووي، ووجودها العسكري في سورية، ونفوذها الإقليمي وبرامجها الصاروخية.
يتضمن تفاصيل العرض الذي طرحه ولايتي فتح قطاع النفط والغاز الإيراني بالكامل (إيران تملك رابع احتياط نفط في العالم وثاني احتياط غاز طبيعي) أمام عملاقي النفط والغاز الروسيين، "روسنفت" و"غاز بروم"، وتحويل كل الاستثمارات من الشركات الأوروبية المنسحبة من السوق الإيرانية بسبب العقوبات الأميركية إلى الشركتين الروسيتين، أي منح روسيا ما يشبه حقوق امتياز حصرية في تطوير قطاع الطاقة الإيراني، تصل قيمة الاستثمار فيها، بحسب الروس، إلى 50 مليار دولار، لكن بوتين الذي يدرك حجم المأزق الإيراني، ويسعى إلى تحقيق أقصى فائدة ممكنة من ظروف المواجهة التي تخوضها إيران مع إدارة ترامب، يطمع بأكثر من ذلك. إذ طرح على الموفد الإيراني إنشاء ما يشبه صيغة "النفط مقابل الغذاء" التي كانت سائدةً في العراق أيام الحصار. وبموجب هذا المقترح، تعرض روسيا الحصول على كامل إنتاج إيران من النفط المخصص للتصدير، والذي قد يصل إلى 2,6 مليون برميل يوميا في مقابل بضائع روسية، وفيما تقدّم روسيا هذا المقترح كأنه معروف تصنعه لتتيح لإيران الالتفاف على العقوبات الأميركية، الا أن حجم المكاسب الروسية المتحققة منه عظيم. وبخلاف تصريف بضائعها في السوق الإيرانية، وبيع النفط الإيراني لحسابها في الأسواق العالمية، تحقّق موسكو مكاسب جيوسياسية كبيرة، إذ يجعل هذا المقترح من روسيا، بإضافة صادرات إيران (6% من صادرات النفط في العالم) إلى صادراتها (11%) اللاعب الأول في سوق النفط العالمية، متفوقة على السعودية (16%) كأكبر مصدر للنفط، ويقضي نهائيا على أي فرص بتحول إيران إلى بديل محتمل للغاز الروسي إلى السوق الأوروبية، وهو ما كانت تطمح إليه أوروبا وإيران من وراء الاتفاق النووي.
هذا يعني أن روسيا تسعى إلى أكثر بكثير مما يعرضه ولايتي: أي سيطرة مطلقة على قطاع الطاقة الإيراني، من استكشاف وإنتاج وبيع وتوزيع (كما الحال أيام السيطرة البريطانية عبر شركة النفط الأنغلو- إيرانية قبل تأميمات مصدّق عام 1951). هذا يحول إيران فعليًا إلى محمية روسية. فهل يكون هذا الثمن الذي يطلبه بوتين لعدم بيع إيران إلى الأميركيين والإسرائيليين؟ وهل غدا أصحاب البازار الأشهر جزءا من بازار أكبر، ساقتهم إليه أوهام القوة والهيمنة؟