ارتفعت أسعار البضائع، لاسيما أسعار السلع الغذائية، بالسوق الإيرانية، التي ازدحمت كثيراً في الآونة الأخيرة بسبب تحضير الإيرانيين لمناسبتهم المفضلة، وهي عيد النوروز (الربيع) في 21 مارس/آذار من كل عام، فعلى الإيرانيين شراء كل احتياجاتهم التي ستلزمهم خلال عطلة الأعياد والتي تصل إلى شهر تقريباً.
ونبهت كل المواقع الرسمية الإيرانية إلى ارتفاع الأسعار في السوق، بل وشدّدت بعضها على احتكار بعض التجار لبضائع معينة، حيث أشارت إلى أن أسعار الدجاج ارتفعت بشكل كبير، ووصلت إلى 8000 تومان تقريباً، أي ما يعادل 2.5 دولار، بسبب محاولة بعض الباعة والتجار تعويض خسارتهم خلال الأشهر الماضية.
واتخذت الحكومة الإيرانية إجراءات تشديدية لخفض أسعار السلع الغذائية الأساسية في
الأسواق، فلجأ بعض التجار إلى تقليص المعروض في الأسواق ومنها الدجاج ما زاد من أسعارها تدريجياً في الأسواق.
كما تشهد أسعار بعض الفواكه الأساسية أيضاً التي يشتريها الإيرانيون لموسم الأعياد، كالتفاح والبرتقال تفاوتاً بين المناطق، فسعر كيلو البرتقال على سبيل المثال يبلغ في بعض المناطق دولاراً واحداً، بينما تبيعه محال أخرى بدولارين وأكثر قليلاً، وبالحالتين فالسعر لا يعتبر منخفضاً بالنسبة لمعظم الإيرانيين.
إيران التي انتعش اقتصادها نسبياً بعد توقيع اتفاق جنيف المؤقت والموقع بين إيران ودول 5+1، قبل أكثر من عام والذي علق فرض عقوبات جديدة على البلاد، مقابل تعليق تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، عاد وانتكس بعد تدهور أسعار النفط في السوق العالمية، فالاقتصاد الإيراني مرتبط بشكل أساسي بالعائدات النفطية التي تشكل جزءاً كبيراً من صادرات البلاد.
هذا العامل وقف نسبياً بوجه محاولات حكومة الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بإعادة دوران عجلة الاقتصاد الإيراني وفتح البلاد أمام الاستثمار الأجنبي، ورغم ضبط الحكومة لنسبة التضخم الاقتصادي، التي زادت عن 40% في بعض الأحيان في عهد الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد، لكنها وصلت اليوم إلى 15%، ورغم هذا إلا أن الشارع الإيراني لم يلحظ سوى زيادة الأسعار منذ ثماني سنوات تقريباً.
يقول مالك أحد محال بيع المكسرات في سوق تجريش الشعبي، الحاج مهدي، لـ "العربي الجديد"، إنه لطالما كانت المكسرات سلعة أساسية يشتريها كل إيراني لموسم الأعياد، لكن ارتفاع الأسعار هذا العام أثر بالفعل على الزبائن، فرغم أن الإقبال ملحوظ في الأسواق المزدحمة، لكن القدرة الشرائية للإيرانيين منخفضة، فهم مضطرون للتبضع ولكن عليهم ضبط ميزانياتهم جيداً وهو ما أثر على السوق حسب رأيه.
وكما يشتكي مهدي، يعاني المستهلكون في الأسواق الإيرانية من غلاء الأسعار، ولكنهم يتحدثون عن ضرورة شراء السلع الاستهلاكية الأساسية في موسم الأعياد.
ويضطر بعض الإيرانيين للتسوق من الباعة الجائلين، الذين يعرضون بضائع صينية بأسعار رخيصة، سواء من الثياب، أو أدوات الزينة أو حتى بعض الأدوات المنزلية.
فعربات الباعة التي كثرت خلال الأيام الأخيرة من السنة الشمسية الإيرانية تفتح باب الخيارات المتواضعة أمام العديد من الإيرانيين ولكنها أيضاً تقف بوجه التجار الذين يقولون إنهم مضطرون لعرض بضاعتهم بأسعار غالية، بسبب تكاليف استيرادها وتعرفتها الجمركية، فضلاً عن ارتفاع سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار وكلها عوامل تؤثر سلباً عليهم في الوقت الحالي.
في المقابل تدرك الحكومة الإيرانية، أن التحكم بالتضخم بالاقتصادي يعني تحكماً نسبياً بغلاء الأسعار، لكنها تعرف أن هذا لن يحل كل المشاكل الآنفة الذكر، فحاولت الحكومة تخصيص غرف في مناطق مختلفة من العاصمة لتقديم البضائع الإيرانية، ولاسيما الفاكهة والمكسرات المحلية والمرغوبة إيرانياً بالفعل ولكن بأسعار أقل بنسبة 5 إلى 20% عن المحال الأخرى في محاولة لحل مشكلات المواطن الذي يحتاج لهذه السلع.
ويعتبر أستاذ علم الاقتصاد في الجامعة الحرة الإيرانية، محمد رضا فتح أبادي، أن عوامل كثيرة تؤثر على السوق، منها تكاتف الضغوطات الخارجية والداخلية معاً والتي أثرت سلباً على الاقتصاد الإيراني، فرفع الدعم الحكومي عن السلع الاستراتيجية قبل أربع سنوات تقريباً زاد الضغط على البلاد، فضلاً عن انخفاض مستوى الصناعات المحلية وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار خلال السنوات الماضية.
وأضاف فتح أبادي لـ "العربي الجديد" أن تراكم كل هذه العوامل على مدى طويل لا يمكن أن يحل خلال سنة من رئاسة الرئيس المعتدل حسن روحاني، الذي يعلم أن التوصل لاتفاق نووي يعني فتح السوق الإيرانية أمام الاستثمار ويعني حلحلة العديد من المشكلات الاقتصادية.
وأشار إلى أن ضعف القطاع الخاص في إيران يعدّ عاملاً آخر يؤثر على السوق الإيرانية،
فعدم الاهتمام بهذا القطاع، يجعل السوق يتأثر بشكل دائم بالعوامل الخارجية، داعياً المعنيين في إيران للتنبه لأهمية دعم المشاريع الصغيرة وتوفير رؤوس أموال لها وهو الأمر الذي سيدي
ر عجلة الاقتصاد بشكل كبير ويساهم بتطوره ويحل أزمات المواطنين الاقتصادية.
كما اعتبر فتح أبادي أن الاستقرار الذي تشهده السوق الإيرانية وإن كان بشكل نسبي، لكنه استقرار غير حقيقي، فهو ناجم عن الأجواء الإيجابية الصادرة عن المفاوضات النووية مع الغرب، ويجب حسب رأيه الاستفادة من هذا الأمر، فخلال سنة من بدء المفاوضات الحقيقية زاد الإنتاج الصناعي الإيراني بنسبة 5% وهو ما أكد عليه المصرف المركزي الإيراني.
وأشار إلى أن استمرار الاهتمام بهذا القطاع، كفيل بإنعاش السوق وبحل أزمة المتبضعين الإيرانيين الذين يشعرون بضغط العقوبات الشديد منذ ثماني سنوات تقريباً، ويرغبون بالتخلص منها، حتى وإن كان هذا العام أفضل نسبياً من أعوام مضت.
اقرأ أيضاً:
الغلاء يفترس الإيرانيين ومخاوف على شعبية روحاني