فاجأ الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، الإيرانيين بظهوره مجدداً على الساحة السياسيّة، مشاركاً في احتفالات "عشريّة الفجر"، التي تسبق ذكرى انتصار الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة في الحادي عشر من الشهر الحالي. ويغيب نجاد منذ انتهاء دورته الرئاسيّة الثانية عن المشهد السياسي، في وقت لم يتأخّر مناصروه ومحبوه في استقباله بحفاوة، مرددين لدى دخوله إلى قاعة مسجد المهدي في "شهر ري"، جنوبي طهران، شعارات تفيد بعودته إلى الساحة مجدداً.
وعلى الرغم من أنّ عودته بهذه الطريقة وإلقاءه لكلمة على العلن، تنبئ بعودة منافس قديم إلى الساحة السياسية، له الكثير من المنتقدين والمتحفظين على سلوكه وسياساته، فإن نجاد اكتفى ومستشاره السابق مجتبى ثمره هاشمي، بهزّ رأسيهما من دون تقديم إجابة مفهومة أو محددة، لدى سؤاله عما إذا كان يخطط لعودة قريبة.
وتمحورت كلمة نجاد حول ذكرى الثورة الإسلامية، فاعتبر أنّها كانت "ثورة تسعى لتحقيق العدالة والقضاء على الظلم، ولم تأتِ لخلق صراعات بين الأطراف المختلفة، بل حقّقت لاحقاً إنجازات عدة". وبدا واضحاً حفاظ نجاد على خطابه الديني المحافظ، ما يعني أنّه لم يستغنِ خلال الفترة الماضية عن أفكاره المتشدّدة إزاء بعض القضايا، التي تركّز في غالبيتها على الأساس الديني، حتّى في السياسة الخارجيّة.
ولم يغفل نجاد التأكيد على عداء إسرائيل، ورفض بلاده التصريحات التي تتهمها بزيادة المسافة بين الشيعة والسنة، ولا ذكر صديقه الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز.
لم يتغير الرجل صاحب الشخصية البسيطة والمثيرة للجدل، كما يقول مراقبو الساحة الإيرانية، ولكن إطلالته وحديثه الذي لم تتغير نغمته، يعني أنّ نجاد الذي بات يقود تياراً منفصلاً بحدّ ذاته داخل الطيف المحافظ، بدأ يستعد منذ الآن لخوض سباق الانتخابات التشريعيّة التي ستنطلق بعد عام تقريباً.
أصبح نجاد زعيم ما يسمى بـ "التيار النجادي"، وهو تيار يصفه البعض من متشددي المحافظين بتيار الانحراف، فشخصيات محافظة كثيرة رفضت احتواء نجاد لصهره ومدير مكتبه السابق اسفنديار رحيم مشائي، وهو الشخص الذي بات يروّج لشعار "إيران القوميّة"، لا "إيران الجمهوريّة الإسلاميّة"، فضلاً عن استخدامه لجمل توالي الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل في بعض الأحيان، وهو ما يخالف خطاب حكومة نجاد السابقة وخطاب الجمهورية الإسلامية بشكل عام. وزادت مع مرور الوقت الانتقادات الحادة لسلوكه المندفع والمثير للتساؤلات والانقسامات في بعض الأحيان بين أبناء التيار المحافظ الواحد.
وكان نجاد قد اتبع سياسات اقتصادية في البلاد، منها إقرار بعض الخطط الحكومية وتطبيقها، وهو ما زاد هموم المواطن الإيراني وأثقل كاهله، المثقل أصلاً بأعباء العقوبات الاقتصاديّة الغربيّة المفروضة على إيران، بسبب برنامجها النووي، على غرار خطة رفع الدعم الحكومي. كما أنّ عزله لعدد من وزراء حكومته، واتباعه العديد من الخطوات السياسيّة زاد الطين بلة، وهو ما أدى إلى تشكيل كتلة موالية هي "جبهة الثبات"، التي انفصلت عن باقي الجبهات في البرلمان الإيراني.
ومع تراجع شعبيّة نجاد، وفوز خطاب الاعتدال الممثل بالرئيس الحالي حسن روحاني بالانتخابات الرئاسية الماضية، وعودة الإصلاحيين تدريجياً إلى الساحة، واستعداد المحافظين الآخرين الذين يسعون إلى رصّ صفوفهم للدخول إلى السباق الانتخابي المقبل بقوة، يبدو أن عودة نجاد باتت ضرورية باعتباره الشخصية التي قد تنقذ جبهة الثبات في الانتخابات المستقبلية، على الرغم من أنّ الصعوبات التي ستقف بوجهها كثيرة، سواء من قبل الإصلاحيين أو حتى من قبل المحافظين.
في غضون ذلك، تجلّت مفارقة أخرى يوم الأحد الماضي، باجتماع الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي مع مجموعة من الإصلاحيين، بمناسبة عشرية الفجر أيضاً. ولطالما جمعت ذكرى الثورة الإسلاميّة، التيارات السياسيّة على اختلافها وتنوّعها في إيران.
ويغيب خاتمي بدوره عن الساحة السياسيّة، منذ احتجاجات عام 2009، التي أعقبت الانتخابات الرئاسية حينها، وفاز نجاد بموجبها بدورة رئاسية ثانية، متفوقاً على منافسه الإصلاحي مير حسين موسوي، وهو ما أدى إلى خروج مناصري الحركة الخضراء إلى الشارع تشكيكاً بالنتائج. لكن خاتمي، الذي تعرض لانتقادات شديدة إثر مناصرته لموسوي ومطالبته برفع الإقامة الجبرية عنه وعن المرشح الآخر مهدي كروبي، بدأ بالعودة تدريجياً إلى المشهد السياسي، منذ فوز روحاني.
ولم يتأخر خاتمي في محاولة لمّ شمل الإصلاحيين ولعب دور الإرشاد لحزب واحد، يجمع أبناء هذا التيار، وهو ما سيجعلهم أيضاً يخوضون السباق الانتخابي المقبل بقوة. وتبرز صعوبات كثيرة أمام الإصلاحيين، فلا المتشددين يستهان بهم، ولا كتل الاعتدال ستنسحب من السباق لصالح خطاب إصلاحي بحت.
لم يتحدث خاتمي عن عودة مرتقبة بشكل مباشر، ولكن كان له رأيه في الثورة أيضاً، وهو رأي يمثل خطه وتياره، بإشارته إلى أنّ "هناك جيلين اليوم لم يعايشوا مجريات الثورة"، لافتاً إلى "ضرورة نقل المبادئ الأصلية للثورة الإسلامية بطريقة صحيحة إلى هذه الأجيال". ويعتبر أنّ "الأساس الذي تقوم عليه الثورة منذ أكثر من ثلاثة عقود هو الإصلاح بغاية تحقيق ما هو أفضل"، مؤكداً في خطابه أنها "إنجاز يتعلق بالكل ولا يحسب على طرف بدون آخر في البلاد".
وإذا كانت ذكرى انتصار الثورة قد أعادت شخصيتين مختلفتين تماماً إلى الساحة، فإنّ معطيات المرحلة المقبلة تتطلب خطوة مماثلة، في وقت تتعدد فيه الجبهات والتيارات السياسية في إيران، وعلى كل طرف منها العمل لإنقاذ نفسه، فيما يبدو أنّ اتحاد بعض الكتل مع بعضها صعب حتى وإن تقارب خطابها.