إيران: خلافات مصيرية تعقّد جولة التفاوض النووي

25 مارس 2015
جولة جديدة من المفاوضات اليوم (بريان سيندر/فرانس برس)
+ الخط -
بعد استراحة قصيرة لأيام، يعود الوفد الإيراني المفاوض إلى سويسرا، اليوم الأربعاء، لاستئناف المفاوضات حول برنامج طهران النووي مع الغرب، على أن يستكمل الوفدان الإيراني والأميركي على وجه الخصوص اجتماعاتهم الثنائية، والتي تعقد على مستوى وزراء خارجية البلدين كذلك.

اقرأ أيضاً (تصريحات إيرانية: الاتفاق النووي بات ممكناً)

ورغم أن كل التوقعات صبت في صالح التوصل لاتفاق خلال مفاوضات لوزان الأسبوع الماضي، لكن يبدو أن هناك تعقيدات كثيرة تعترض مسار الحوار النووي، وتتعلق بخلافات مصيرية وصعبة بين إيران والسداسية الدولية. وكلما لاحت انفراجة في الأفق، خرج أحد السياسيين ليتحدث عن صعوبة بالغة في المفاوضات الحساسة مع إيران، وتصريحات مساعد وزير الخارجية الإيراني، عضو الوفد المفاوض، عباس عراقجي، التي ردّ فيها على الرئيس الأميركي باراك أوباما أخيراً تصب في هذا السياق.
وقال أوباما أخيراً إنّه على إيران أن تمنح الأطراف المقابلة امتيازات معينة، وضمانات تؤكّد على شفافية وسلمية برنامجها النووي. فيما ردّ عراقجي بالقول إنّ إيران لا تمثل حالياً الطرف الذي يجب أن يمنح الامتيازات المطلوبة، بل على الأطراف المقابلة لها أن تجتمع على رأي واحد، وتنهي اختلاف وجهات النظر فيما بينها، وعليها أن تتمتع بإرادة سياسية حقيقية، وهو الأمر الذي يسمح بتوقيع اتفاق يصبّ لمصلحة الجميع، حسب قوله.

ما قاله عراقجي يعني إن إيران تقف بوجه أطراف غربية تختلف وجهات نظرها على طاولة الحوار. إذ طالما كان الطرف الفرنسي الأكثر تشدّداً، وهذا يبدو واضحاً في التصريحات العلنية، التي تخرج كلما اقتربت المفاوضات من نقطة الحسم، والموقف الأميركي متشدّد في قضايا أخرى، ويبقى الطرفان الروسي والصيني أكثر اعتدالاً، فهماً الأكثر قرباً من وجهات النظر الإيرانية، فأي اتفاق يعني فتح السوق الإيرانية أمام هذين العملاقين أكثر بكثير في الوقت الراهن.

عراقجي الذي رأى أن هذه الخلافات والتناقض في التصريحات خلال هذه المرحلة التي وصفها بالدقيقة والحساسة أمر طبيعي، ركّز أيضاً على أن إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده بالكامل سيكون مفتاح الحلّ. وهذه التصريحات وغيرها تنم عن أن إلغاء الحظر مايزال ملف خلاف جوهري بين المتفاوضين.
وكان كلام المرشد الأعلى علي خامنئي السبت الماضي بمناسبة العام الإيراني الجديد، واضحاً في هذا الصدد، فنقل بين طيات حديثه رفض طهران لأي اتفاق مرحلي ولأي مرحلة اختبار، ما لم تُلغَ العقوبات عن بلاده بالكامل.

اقرأ أيضاً (خامنئي: أميركا بحاجة شديدة للمفاوضات النووية معنا)
في المقابل، فإن الولايات المتحدة متشددة في هذا الصدد، وتتحدث عن إلغاء العقوبات تدريجياً خلال مدة تزيد عن عام واحد، وهو ما سمته بفترة اختبار، يتم خلالها التحقق من سلمية وشفافية برنامج إيران النووي، ومن التزام طهران ببنود الاتفاق المرتقب. وفي هذه الحالة، تُمنح إيران بالمقابل ما تبتغيه اقتصادياً وبشكل تدريجي، وهو ما لن ترضاه طهران، ما يشكل تحدياً كبيراً على الطاولة في الوقت نفسه.

من جهة ثانية، يشكل ما بات يسمى بمرحلة الثقة، أو مهلة الاتفاق، نقطة خلافية أخرى من عدّة نواحٍ، أولها مدّة هذه المهلة، التي تريد إيران أن تكون أقل من عشر سنوات، والولايات المتحدة تسعى في المقابل بأن تكون أكثر من هذا. ورغم أن تصريحات رئيس هيئة الطاقة الذرية الإيرانية الأخيرة علي أكبر صالحي، تنقل قبول طهران باتفاق لعشر سنوات، لكن هذا لن يرضي الغرب، إلا بامتيازات تحدّ من نشاط إيران النووي.

وهنا تبرز النقطة الخلافية الثانية المرتبطة بمرحلة الثقة التي تكون جسراً لحلّ أزمة النووي بالكامل. ويتعين على إيران أن تقبل بتفتيش منشآتها النووية، ولو فجائياً خلال هذه المرحلة. ويبدو أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدأت بالدخول على خط المفاوضات مع السداسية الدولية، وتصريح رئيس الوكالة يوم الإثنين يشي بذلك.
إذ قال يوكيا أمانو إن الوكالة غير قادرة على التأكد من كل الأنشطة النووية الإيرانية، رغم تأكيده على التزام إيران ببنود اتفاق جنيف المؤقت والموقع قبل أكثر من عام، مطالباً طهران بتوقيع البروتوكول الإضافي من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وهو البروتوكول الذي يسمح بتفتيش فوري وفجائي للمنشآت.
وكانت إيران قد وقعت على هذا البروتوكول قبل سنوات، وخرجت منه في عهد الرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد، غير أن العودة إليه اليوم تحتاج إلى موافقة مجلس الشورى الإسلامي الذي يسيطر المحافظون على غالبية مقاعده، وهو ما قد يجعل تمرير هذا القرار في الوقت الحالي صعباً.

أجهزة الطرد المركزي
ويبقى موضوع عدد أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها إيران ملفاً خلافياً آخر على الطاولة؛ ففي الوقت الذي صرح فيه الأميركيون بعدم السماح لإيران بامتلاك أكثر من ألفي جهاز، تريد طهران في المقابل الاحتفاظ بالعدد كله، والذي يتجاوز تسعة عشر ألف جهاز. وفي هذا الإطار، قد تقبل إيران بحل وسطي يسمح لها بالاحتفاظ بأجهزتها مع تشغيل الجيل القديم منها فقط، ومع هذا يبدو أن ملامح الاتفاق حول هذا الموضوع ماتزال بعيدة المنال.

ويعتبر مفاعل آراك الذي يعمل بالماء الثقيل، وأعلن المعنيون في إيران عن جهوزيتهم لإعادة تصميم قلبه، ملفاً خلافياً أيضاً. لكن يبدو أن إنتاج آراك لمادة البلوتونيوم والتي تمكن طهران من امتلاك سلاح نووي بوقت قياسي، إن أرادت، هو ما يقلق الغرب، خصوصاً الطرف الفرنسي الذي يحمل راية التشدد في المفاوضات. وفي هذه الحالة، تدور المقترحات حالياً حول الحد من إنتاج البلوتونيوم أو منعه بتاتاً، وهو ما يمكن أن تقبله طهران، لكن أيضاً بمنحها امتيازات معقولة.
جميع التصريحات الغربية التي خرجت أخيراً، ونقلت صعوبة التفاوض، نسفت ما قاله صالحي عن الاتفاق حول تسعين في المائة من الملفات الفنية والتقنية.
دلالات
المساهمون