هكذا صار عنوان الدبلوماسية الفرنسية الأساسي في المنطقة هو دعم عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، وإشهار المزيد من الحزم بخصوص اتفاق نهائي بين إيران ودول مجموعة "خمسة زائد واحد" المتوقع قبل نهاية يونيو/حزيران المقبل. هاتان الرسالتان كانتا الهدف الرئيس من زيارة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى الرياض أخيراً، وهي الزيارة الثالثة له منذ أن تسلّم حقيبة الدبلوماسية الفرنسية، وتم استقباله من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في بادرة تعكس الأهمية القصوى التي توليها السعودية للحليف الفرنسي في السياق الإقليمي الحالي، القائم على مبدأ مجابهة المد الإيراني المتعاظم في المنطقة وتحديداً في اليمن، ومنع إيران من صنع قنبلة نووية.
ووجدت الرياض في شخص وزير الخارجية الفرنسي محاوراً مثالياً، ذلك أن فابيوس يجسّد الشخصية السياسية الفرنسية الأكثر معرفةً واحتكاكاً بالمسؤولين الإيرانيين، وفي الوقت نفسه السياسي الفرنسي الأكثر حزماً وصلابة، تجاه طهران. فالرجل له تجربة مريرة مع إيران بدأت في العام 1984، حين تسلّم رئاسة الحكومة في عهد الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران. آنذاك وجد فابيوس ملفاً ساخناً ينتظره وتعرّض لضغوطات إيرانية قوية من أجل تطبيق معاهدة "أوروديف" النووية. كما واجه أزمة اختطاف الرعايا الفرنسيين في لبنان، وموجة اعتداءات إرهابية في فرنسا تحدثت وسائل الإعلام حينها عن ضلوع الاستخبارات الإيرانية فيها. ومنذ تلك الفترة بدأ الخلاف الفرنسي الإيراني حول الملف النووي، إثر مسارعة باريس إلى تجميد معاهدة "أوروديف"، بعد أن كانت وقّعتها مع شاه إيران في العام 1974 لبناء مؤسسة نووية فرنسية إيرانية لتخصيب اليورانيوم مقابل مليار دولار.
ويسود اعتقاد راسخ في أعلى هرم المؤسسة الفرنسية، سواء في قصر الإليزيه أو وزارتي الخارجية والدفاع، بأن إيران عامل أساسي من عوامل زعزعة الاستقرار في الخليج والشرق الأوسط بشكل عام.
ويرى المحلل السياسي رامي خليفة العلي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التغلغل الإيراني المتعاظم في العراق وسورية ولبنان واليمن، زاد من تعقيد الأوضاع في المنطقة وأسبغ عليها طابعاً مذهبياً صرفاً قد يدفع بها إلى شفير الهاوية، ومن هنا سياسة الحزم الفرنسية تجاه طهران، والريبة الفرنسية الراسخة تجاه المحاورين الإيرانيين مهما كانت وعودهم وضماناتهم في الملف النووي الإيراني".
ويجد هذا الموقف الفرنسي المتصلب آذاناً صاغية في الرياض التي تابعت عن كثب سير المفاوضات بين إيران ومجموعة "خمسة زائد واحد"، ولاحظت الصلابة الفرنسية بالمقارنة مع الإصرار الأميركي على التوصل إلى صيغة اتفاق، على الرغم من انعدام الضمانات الكافية من الطرف الإيراني. كما أن الرياض وباريس كانت لهما الرؤية نفسها بخصوص التحوّلات السياسية التي عصفت أخيراً بالمنطقة العربية، خصوصاً في دعم عبد الفتاح السيسي في مصر، والإصرار على استبعاد نظام بشار الأسد من أي تسوية مستقبلية للأزمة السورية.
اقرأ أيضاً: فابيوس في الرياض: تجديد الدعم لـ"عاصفة الحزم"
زيارة فابيوس الأخيرة للرياض كانت أيضاً مناسبة للتأكيد للمحاورين السعوديين أن فرنسا ستظل على موقفها المتصلب في المفاوضات التي ستتواصل قريباً، خصوصاً في الشق المتعلق برفع العقوبات الاقتصادية بشكل تدريجي ومقابل ضمانات ملموسة، وليس رفعاً فورياً كما تطالب به طهران. وهذه هي النقطة التي تقض مضجع الرياض المتخوفة من استثمار طهران لرفع العقوبات، في حال التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الملف النووي وضخ المزيد من الأموال لحلفائها في اليمن وسورية ولبنان، علماً أن التمدد الإيراني في المنطقة العربية انتعش في السنوات الأخيرة، حتى في ظل العقوبات الدولية التي خنقت الاقتصاد الإيراني.
وفي هذه النقطة أيضاً، يظهر الانسجام الفرنسي السعودي، ففرنسا لم تُخفِ استياءها من المفاوضات السرية بين طهران وواشنطن التي احتضنتها سلطنة عمان منذ العام 2013، وهي المفاوضات التي مهّدت لتسريع وتيرة التوصل إلى اتفاق لوزان المرحلي. فباريس تخشى أن تكون الصفقة الأميركية الإيرانية السرية على حساب الشركات الفرنسية واستثماراتها المستقبلية في إيران.
ويرى المحلل الاقتصادي خالد قروي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "السعودية شريك اقتصادي تاريخي لفرنسا، وقد بلغ التبادل التجاري بين البلدين عشرة مليارات دولار، كما أن فرنسا أبرمت أخيراً صفقة ضخمة مع السعودية بقيمة 1.3 مليارات يورو لإنشاء ميترو الرياض"، مشيراً إلى أنه "وعلى الرغم من أن زيارة فابيوس للرياض لم تُتوج بإعلانات عن عقود أو صفقات اقتصادية جديدة، فهناك تعويل فرنسي قوي على السعودية ودول الخليج الأخرى؛ من أجل احتضان المزيد من الاستثمارات الفرنسية، وتعويض خسائرها المحتملة في السوق الإيرانية".
اقرأ أيضاً: فابيوس متفائل بإتمام صفقة رافال مع الإمارات