درج مصطلح "السياحة الحلال" في عدد من الدول التي تسعى إلى استقطاب السياح المسلمين بالدرجة الأولى. وتعدّ تركيا وماليزيا من الدول الرائدة في هذا المجال الذي يعود على العالم بستين مليار دولار أميركي سنوياً. إيران من جهتها، تنبّهت لهذا النوع من السياحة، لكن أبوابها بقيت مقفلة أمام السياح بطريقة غير إرادية. فلطالما أثّرت الظروف والأوضاع السياسية على سياحة هذا البلد الذي يتميز بتنوع جغرافي طبيعي وبالمعالم التاريخية.
اليوم، تحاول طهران استقطاب مزيد من السياح من بلدان المنطقة. وعلى الرغم من أن علاقاتها لم تتحسّن مع كثير من الأطراف، إلا أنها تفتح أبوابها وهي تعلم أن تذبذب الأمن والاستقرار في بلدان سياحيّة مجاورة إقليمياً قد يساعدها في اجتذاب شريحة معيّنة من السياح.
وتحاول التركيز على السياحة الدينية والسياحة الحلال. الأولى، تجذب من خلالها مزيداً من الزوار الشيعة إلى زيارة العتبات المقدسة في مدينتَي قم ومشهد. وبحسب ما أعلن رئيس مؤسسة الموروث الثقافي مسعود سلطاني فر، فإن إيران تملك مخططات لوضع هاتَين المدينتَين في مقدّمة الأولويات وتطوير البنى التحتيّة فيهما.
وكانت وكالة أنباء "مهر" قد نقلت عن سلطاني فر قوله إن "قم استقبلت في العام الماضي خمسة ملايين سائح إيراني وأجنبي، 50% منهم زاروا المدينة لأداء مراسم دينيّة". ولفت إلى أن المخطط اليوم يهدف إلى استقطاب عشرة ملايين سائح سنوياً. وقد يكون الحال أفضل بالنسبة إلى مدينة مشهد التي تضمّ حرم الإمام الرضا، إذ يقصد هذه المدينة الواقعة في شمال شرق إيران 25 مليون زائر سنوياً، 500 ألف منهم فقط من الأجانب.
إلى ذلك، تحاول إيران حالياً فتح باب السياحة الحلال في كل مدنها التاريخية والسياحية، وعلى رأسها مدينة أصفهان وسط البلاد التي تتميّز بتاريخ عريق، والتي نالت لقب عاصمة الثقافة الإسلامية في وقت سابق. وفي هذا الإطار، أُطلِق "بيت السياحة الإسلامية" في أصفهان للترويج لآثار هذه المدينة والتركيز على خدماتها.
ويقول مدير المؤسسة حامد افتخار زاده إن "إيران تستطيع أن تكون مركزاً جيداً للسياحة الحلال. ففي كل الأحوال، تُراعَى القوانين الإسلامية في هذا البلد.. لا اختلاط على الشواطئ ولا طعام يخالف الشرع الإسلامي، والفنادق والمراكز السياحية مناسبة مع خدمات ترفيهية جيدة". يضيف أن السياحة الحلال باتت تحتل المرتبة الثالثة اليوم بعد الصناعات النفطية وصناعة السيارات، في اهتمامات المعنيّين. ويشير افتخار زاده إلى أن "منافسين أشداء يواجهون إيران في هذا المجال في المنطقة، وهو ما قد يقف في وجه دخولها هذا الميدان. لذا لا بدّ من اهتمام خاص بهذا المشروع الذي قد يساهم في تطوير البلاد".
في هذا السياق، تستطيع جزيرة كيش جنوب إيران على سبيل المثال، أن تكون وجهة سياحية فريدة. فهذه الجزيرة القريبة من الإمارات العربية المتحدة تعتبر منطقة حرة ولا تحتاج إلى تأشيرة لدخولها، وغالباً ما يقصدها الذين ينتظرون حصولهم على تأشيرات من بلدان أخرى. ويدرك المسؤولون أن هذه الجزيرة التي تتمتع ببنية تحتية متطورة وتختلف عن بقيّة المناطق الإيرانية، قادرة على التحوّل إلى مركز عالمي للسياحة الحلال، في حال سوّق لذلك بالطريقة الأمثل".
مذ تولى الرئيس الإيراني حسن روحاني الرئاسة في عام 2013، تحاول طهران فتح أبوابها أمام الآخرين. وكانت نقابة السياحة قد أعلنت في وقت سابق أن البلاد استقبلت في العام الماضي خمسة ملايين سائح، بينما كان عدد الأجانب منهم في العام الذي سبقه مليونَين و300 ألف سائح. وهي زيادة غير متوقعة، عادت على البلاد بستة مليارات دولار.
وتتوقع وزارة السياحة أن يزيد عدد السياح بنسبة 30% هذا العام، لا سيّما وأن التركيز زاد على السياحة الحلال وتلك الدينيّة. فهذا من شأنه أن يساهم في زيادة السياح الوافدين من بلدان المنطقة، علماً أن معظم قاصدي إيران حالياً يأتون إليها من أوروبا أو الصين للاطلاع على تاريخها وحضارتها.
وتحتاج طهران إلى تعزيز هذا الأمر، في حين تحاول الابتعاد عن عائدات النفط الخاضع للحظر الغربي وفي وقت ما زالت العقوبات الاقتصادية تتهددها. فالسياحة الحلال تستطيع أن تسند الاقتصاد الإيراني ولو نسبياً، فتساهم في حل المشكلات المعيشية، وتستطيع كذلك فتح الباب أمام مشاريع خارجية. لكن التحديات تبقى متعدّدة، أبرزها مشكلات إيران مع دول المنطقة، فالسياسة تلقي بظلها على هذا القطاع. والمشكلة الأساسيّة الأخرى تتعلق بالترويج والتسويق الصحيح، إذ يحتاج الأمر إلى مؤسسات ووكالات سياحية خاصة. وتُضاف إلى ذلك مشكلات أخرى تتعلق بضعف في البنى التحتية، إذ فتح الباب أمام السياحة الحلال يتطلب مجهوداً مضاعفاً في بناء فنادق مناسبة تقدّم خدمات تضاهي تلك التي تقدّمها الفنادق العالمية.