بعد التوصل لاتفاق نووي بين إيران والغرب في فيينا، منتصف شهر يوليو/تموز الماضي، يتحدث الكل عن فتح الباب عريضاً أمام الاقتصاد الإيراني، ولاسيما بعد تطبيق الاتفاق عملياً وإلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على قطاعات البلاد المختلفة خلال الأشهر القليلة المقبلة.
ويتوقع الخبراء تركيز طهران على تطوير تعاملاتها مع الآخرين في قطاع الطاقة بشكل خاص.
فإيران تحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد روسيا من حيث مخزون الغاز الطبيعي الذي تمتلكه، فيمتلك حقل بارس الواقع جنوب البلاد 19% من الغاز في العالم، وتعمل طهران على تجهيز الأرضيات اللازمة لعودة الشركات الأجنبية للاستثمار في حقل بارس، فضلاً عن البدء في محاولاتها الجادة للبحث عن زبائن أكثر لتصدير الغاز الطبيعي إليهم.
وأجرت طهران، خلال الأشهر الأخيرة، محادثاتها النووية مع الدول الست الكبرى، أي حتى قبل التوصل لاتفاق مفاوضات مع 170 شركة أجنبية معنية باستيراد وتصدير ونقل الغاز، وكانت دول المنطقة وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي من أبرز الأطراف التي حازت اهتمام إيران.
ويتوقع الخبراء أن تنجح طهران في حال تجاوز بعض العراقيل السياسية بمخططها هذا، لتصدير غازها الطبيعي إلى سلطنة عُمان والكويت والإمارات بالدرجة الأولى، فهي الدول الأكثر قرباً لإيران من الناحيتين الاقتصادية والجغرافية.
كما أعلنت وزارة النفط الإيرانية، في وقت سابق، ضرورة تفعيل العقود الموقعة مع العراق، خلال هذا العام، للبدء في مد أنابيب الغاز ونقله إلى هناك، حيث ستبدأ إيران في ضخ 4 ملايين متر مكعب من الغاز، يومياً، إلى الأراضي العراقية ليصل هذا الرقم إلى 35 مليون متر مكعب، في وقت لاحق، حسب ما أعلنت الشركة الوطنية لتصدير الغاز في إيران.
وفي الوقت الذي تعد فيه تركيا شريك إيران الأول في قطاع الغاز، من المتوقع أن تحافظ طهران على علاقاتها هذه حتى بعد التوصل لاتفاق نووي ونيل عقود جديدة، فتركيا هي البوابة التي ستسمح لإيران بنقل غازها عبر أراضيها إلى دول الاتحاد الأوروبي وهذا عبر خط أنابيب يصل طوله آلاف الكيلومترات.
من جهتها نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" أخيراً عن رئيس الشركة الوطنية لتصدير الغاز، علي رضا كاملي، قوله إن إيران ما بعد الاتفاق ستتجه نحو الهند أكثر، فهذا البلد يريد الحصول على غاز إيران الطبيعي منذ زمن، إلا أن تعطيل مشروع خط السلام، بين إيران وباكستان ومنهما إلى الهند، أخر وصول الغاز الإيراني لهذا البلد.
وأكد كاملي، أن الخلافات السياسية هي التي أخرت هذا المشروع أساساً، قائلاً إن الهند تفضل، اليوم، أن يصلها الغاز عبر أنابيب تمد تحت مياه البحر، وسيصل طولها إلى 1400 كيلومتر حسب قوله، مضيفاً أن إيران جاهزة حالياً لتوقيع عقد مع شركة "سيج" الهندية لإيصال الغاز إلى هناك.
اقرأ أيضأً: إيران وإيطاليا: عقد تأمين بملياري يورو أولى ثمار التعاون
ودقق كاملي على نقطة يعتبر الكل أنها ضرورية للبدء في هذه المشاريع، فقال لإرنا، "على الكل انتظار إلغاء العقوبات بشكل عملي، وهذا كي تستطيع طهران تأمين مصادرها المالية لمد الأنابيب اللازمة" فيما أعلنت إدارة التسويق في الشركة ذاتها، أن تكلفة هذا المشروع قد تصل إلى خمسة مليارات دولار، وفي حال تنفيذه عملياً فستصدر طهران بعد إلغاء العقوبات عنها 31 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى الأراضي الهندية يومياً.
وبوجود كل هؤلاء الزبائن الذين تعمل طهران على شدهم إليها، خلال هذه الفترة، وخصوصاً الأطراف الجارة القريبة منها، تدرك طهران أهمية غازها للعالم خلال هذه المرحلة حسب رأي الخبير في شؤون الطاقة الإيرانية، حسين أنصاري فرد، والذي قال لـ"العربي الجديد"، إن الغاز يعد طاقة نظيفة ورخيصة ومستهلكة في كل الأماكن وعلى هذا الأساس ستعمل إيران على زيادة عائداتها من تصدير الغاز خلال الفترة المقبلة.
وأشار أنصاري فرد إلى أن وجود مخزون عالٍ من الغاز الطبيعي في إيران يعد ورقة قوة في يد الإيرانيين، معتبراً أن عقود الغاز الجديدة ستفتح الباب أمام علاقات اقتصادية أقوى بين إيران والآخرين، ولاسيما دول الاتحاد الأوروبي.
ومع كل هذا التفاؤل يتحدث خبراء آخرون عن وجود عقبات عديدة قد تقف في وجه هذا الطموح الإيراني، فرغم أن إيران تمتلك 18% من مخزون العالم من الغاز إلا أن زيادة معدل صادراتها في سوق تجارة الغاز العالمي والتي لا ترتفع عن واحد في المائة، تعني ضرورة تحسين البنى المرتبطة بنقل الغاز، وهذا يعني حاجتها لمائة مليار دولار على الأقل وفق ما كتبت وكالة أنباء فارس في تقرير خاص .
وفي حال استطاعت طهران الاستثمار بشكل صحيح ومناسب في هذا القطاع، فهذا يعني أن معدل إنتاج البلاد من الغاز سيرتفع من 800 مليون متر مكعب حتى 1.2 مليار في اليوم الواحد، وهذا ضروري في وقت لا تشكل فيه عائدات صادرات الغاز أكثر من 4% من كل العائدات الإيرانية من الصادرات.
في الوقت ذاته، كتبت "فارس" أنه خلال السنوات المقبلة سيزيد استخدام الغاز في الداخل الإيراني، فحتى نهاية هذا العام سيحتاج الإيرانيون إلى 150 مليار متر مكعب من الغاز، ولكن في عام 2025 سيرتفع هذا الرقم إلى 190 مليون متر مكعب.
وعلى الرغم من أن شركة الغاز الوطنية الإيرانية أعربت، في وقت سابق، عن أنه سيتم استخدام حقل فارس الجنوبي بشكل كامل خلال السنوات الأربع المقبلة، وهو ما سيغطي احتياجات الإيرانيين من الغاز الطبيعي بالكامل، وما سيسمح للبلاد بزيادة صادراتها من الغاز إلى 200 مليون متر مكعب يومياً، إلا أن هذا يبقى مرهوناً بالاستثمار الصحيح في هذا الحقل وهو ما ستحدده العقود التي ستوقعها طهران والتي سيبدأ العمل بها بعد إلغاء العقوبات بموجب الاتفاق النووي مع الغرب.
ومعظم الغاز الذي تصدره إيران يذهب إلى السوق التركية، حيث تصدر حوالي 90% من الغاز إلى تركيا بالدرجة الأولى، وفي حال استطاعت طهران تجاوز محدد زيادة الاستخدام في الداخل، فضلاً عن قدرتها على إيجاد زبائن جدد فستكون قادرة على الدخول بقوة لهذه السوق وفق ما تخطط البلاد في الوقت الحالي.
وتملك إيران رابع أكبر احتياطي نفطي في العالم، ويقدر بنحو 157 مليار برميل وثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي ويقدر بحوالى 1193 ترليون قدم مكعبة، إلا أنها لا تنتج حالياً من النفط سوى 3.2 ملايين برميل يومياً، و8.2 ترليونات قدم مكعبة سنوياً من الغاز الطبيعي.
اقرأ أيضاً:
روسيا تسعى لاقتناص 70 مليار دولار من إيران
تركيا وإيران..تحالف اقتصادي رغم الخلافات