ولا يمكن فصل توقيت التسليم، بعد تأخير امتد لقرابة 8 سنوات، عن التصعيد الذي تشهده المنطقة، تحديداً بين روسيا وتركيا، على خلفية إسقاط الطائرة الروسية. كما يأتي القرار الروسي بعد يوم واحد فقط من رفع الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوكيا أمانو، تقريره النهائي حول احتمال وجود أبعاد عسكرية لبرنامج طهران النووي للجنة حكام الوكالة، وصفته طهران بـ"الإيجابي". وكان وزير الدفاع الإيراني، حسين دهقان، قد صرّح في وقت سابق أن بلاده ستتسلم منظومتها كاملة مع نهاية العام الفارسي الجاري، والذي ينتهي في مارس/آذار المقبل. كما ذكر السفير الإيراني في موسكو، مهدي سنايي، تزامناً مع زيارة الرئيس فلاديمير بوتين إلى طهران أخيراً أن بدء التسليم سيكون في المستقبل القريب، وهو ما حدث بالفعل.
اقرأ أيضاً حرب روسيا من أجل نظام الأسد: الإمدادات العسكرية بالأرقام
الصفقة التي وقعها الطرفان الإيراني والروسي في العام 2007، وبلغت قيمتها 800 مليون دولار، قضت أن تسلم موسكو لطهران منظومة الصواريخ أرض –جو، لكن في خريف عام 2010، علق الرئيس الروسي في ذلك الحين، ديمتري ميدفيديف، العقد ومنع التسليم. وبرر الجميع الأمر حينها بفرض عقوبات على طهران بسبب برنامجها النووي. وهو ما منع روسيا من استكمال العمل بالصفقة، لكن طهران قرأت في هذا القرار ضغطاً إسرائيلياً على موسكو بسبب تخوفها من امتلاك إيران لمنظومة من هذا القبيل.
لكن الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، أعاد تفعيل الصفقة، وقرر تسليم طهران الصواريخ تدريجياً وتباعاً. وصدر قراره هذا خلال شهر أبريل/نيسان الماضي، أي حتى قبل توصل طهران لاتفاقها النووي النهائي مع دول مجموعة "5+1"، والذي أعلن عنه منتصف شهر يوليو/تموز الماضي. رأت موسكو يومها، أنّ اتفاق لوزان، الذي أعلن عنه في ذاك الوقت تقريباً، والذي علّق فرض عقوبات جديدة على إيران، يسمح باستئناف العمل بالعقد الثنائي بين البلدين حتى قبل تطبيق قرار إلغاء العقوبات.
وعلى الرغم من الاتفاق النووي إلا أنّ بند إلغاء الحظر عن إيران لم يطبق بشكل عملي بعد، والكل ينتظر تقرير لجنة حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي سيصدر في 15 من شهر ديسمبر/كانون الأول الحالي، وهو الذي سيؤسس لمرحلة جديدة من مراحل ما بعد الاتفاق النووي الذي سبق وصكّته عواصم القرار المعنية.
تكمن أهمية حصول إيران على هذه الصواريخ بأنها صواريخ أرض- جو تؤمن الحماية الذاتية، وترفع قدرات الدفاع الجوي. كما تستطيع صدّ الصواريخ المتوسطة المدى، فضلاً عن أن سرعة صواريخ "أس 300" تبلغ خمسة أضعاف سرعة الصوت، وتستطيع التوجه بسرعة نحو أهداف بمسافة 400 كيلومتر. وهو ما يعني أن إيران ستكون قادرة على حماية منشآتها النووية من أي تهديد اسرائيلي أو أميركي محتمل، فالتوصل لاتفاق نووي لا يعني إغلاق هذا الملف بالكامل، حسب ما يرى المسؤولون الإيرانيون أنفسهم.
ويؤكد الخبير في الشؤون الإيرانية، حسن هاني زاده، أن الحصار الاقتصادي لم يكن العامل الوحيد الذي منع إتمام هذه الصفقة في السابق، لكن الحصار الدولي على إيران ومحاولة تشكيل قوة ضغط دولي عليها، هو ما جعل موسكو تؤخر إتمام العقد.
ويلفت هاني زاده، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ هذه "الصواريخ ستمنح إيران القدرة على تشكيل قوة ردع ابتغتها منذ فترة ليست بالقريبة، فالبلاد تعلم أن تهديد المنشآت النووية سيبقى قائماً".
لكن لا يخفى على أحد أن أسباباً إقليمية ودولية أخرى، أخرت تسلم إيران لصواريخها في محاولة لاحتواء نفوذها، كما أن أسباباً إقليمية ثانية هي التي جعلت المعادلة تتغير اليوم، وسمحت لها بالحصول على "أس 300". ويوضح هاني زاده أن الأوضاع في سورية، والتقارب الإيراني الروسي الواضح، واتفاقهما حول هذا الملف بالذات، أدى لإتمام الصفقة. وهو ما يعني استمرار العمل والتنسيق بين طهران وموسكو في المرحلة المقبلة، بل وربما تطور التعاون أكثر بينهما.
ولكن بوجود التصعيد التركي الروسي، وارتفاع حدة التوتر بينهما، يقرأ تسليم الصواريخ من زاوية أخرى، حتى وإن حاولت إيران أن تقف في الوسط بين الطرفين، كونها لن تتخلى عن الشريك الاقتصادي التجاري التركي، على الرغم من الخلاف السياسي حول بعض القضايا وليس كلها، كما لا تريد الابتعاد عن رفيقها الروسي الشمالي بذات الوقت؛ كون هذا يدعم موقفها في سورية.
إلا أن تسليم الصواريخ يعني المزيد من التقارب مع موسكو، التي تريد بدورها الاقتراب أكثر من طهران بوجود توتر مع أنقرة، ولكن بالنتيجة يبقى الأمر نقطة قوة لإيران، التي ستستخدم صواريخها لدعم ملفات تخصها وعلى رأسها الملف النووي.
وفي السياق، يقول خبراء إنه من صالح طهران وموسكو التقارب من بعضهما في الوقت الراهن، ولا شك أن العلاقات بينهما لم تتخلص بعد من إرث التوتر السياسي التاريخي، وحتى خلال السنوات القليلة الماضية مرت العلاقات الثنائية بفترات توتر وفتور، لكن توسيع قاعدة التحالف الإقليمي الذي تتواجد فيه إيران وروسيا كمحورين أساسيين أولوية في الوقت الحالي.
كذلك يحمل تسليم الصواريخ فائدة تجارية وسياسية لكلا البلدين، ستزداد بمرور الزمن وفق المؤشرات، فصحيح أن المنطقة مشتعلة، وزادت حدة التنافس بين أطرافها الفاعلة، لكن إيران ما قبل الاتفاق النووي ليست كما إيران بعده، والتقارب مع موسكو للضرورة سيساعد طهران في العديد من ملفاتها.
اقرأ أيضاً: رسائل متعددة وراء قرار روسيا تسليم "أس- 300" لإيران