إيران: انتحار "البنت الزرقاء" حرقاً أمام المحكمة يفجّر قضية دخول النساء الملاعب

10 سبتمبر 2019
يشاهدن مباراة بأحد شوارع طهران رغم الحظر(بهروز مهري/فرانس برس)
+ الخط -
تفيد وسائل الإعلام الإيرانية بأن الفتاة الإيرانية الشغوفة بكرة القدم، والتي حاولت الانتحار بإضرام النار بنفسها الأسبوع الماضي أمام محكمة في طهران، توفيت نتيجة شدة الحروق التي أصابتها. في حين أثارت قصتها قضية حظر دخول النساء إلى الملاعب لمشاهدة مباريات كرة القدم، وأعادتها إلى الواجهة مجدداً، مع ظهور بوادر لإمكانية حضور النساء لمباراة المنتخب الوطني الإيراني خلال تصفيات آسيا لكأس العالم 2022.

وذكر موقع "خبر آنلاين" الإيراني، أن الفتاة سحر خداياري أو "البنت الزرقاء" بسبب شغفها بنادي "استقلال" لكرة القدم، والذي يختار اللون الأزرق، توفيت صباح أمس الاثنين. كما تقدم النادي بتعازيه العميقة من أسرة سحر في بيان أصدره اليوم الثلاثاء.

وقال المصدر إن هذه الفتاة البالغة (29 عاماً) راجعت مطلع الأسبوع الماضي، النيابة العامة في طهران، لكنها علمت أن حكما بالسجن لستة أشهر صدر بحقها، فأحرقت نفسها أمام المحكمة احتجاجا على ذلك، وأصيبت بحروق من الدرجة الثالثة غطت 90 في المائة من جسدها.


ونقلت وكالة "ميزان" الإيرانية، عن مصادر قضائية أن سبب اعتقال الفتاة يعود إلى "حجابها غير المناسب" و"اشتباكها مع قوات الشرطة"، عند محاولتها الدخول إلى ملعب آزادي.

وقدمت شقيقة الفتاة رواية أخرى عن اعتقالها في حوار مع صحيفة "شهروند" الإيرانية، قائلة إنه "يوم 12 مارس/آذار الماضي، توجهت شقيقتي إلى ملعب آزادي لمشاهدة المباراة بين فريق استقلال الإيراني والعين الإماراتي، وقد ارتدت شعرا مستعارا ومعطفا طويلا".


وأضافت "أرادت الشرطة إجراء التفتيش الجسدي، فأبلغتهم شقيقتي أنها فتاة لكي لا يلمسوها ... نحن عائلة متدينة، لكن الشرطة اعتقلتها"، مشيرة إلى أن "المحقق طلب تقديم 50 مليون تومان (4500 $) كفالة للإفراج عنها، وكان يوم الأربعاء، لكن لم يكن معنا ذلك المبلغ حينها. وفي اليوم التالي أي الخميس، أودعنا المبلغ وبسبب العطلة بقيت شقيقتي في الاعتقال حتى السبت".

وتابعت أن شقيقتها كانت تعاني من اضطراب ثنائي القطب وتم إبلاغ المحكمة بذلك، لافتة إلى أنها راجعتها بعد أسابيع "لتأخذ هاتفها النقال، ويبدو أنها سمعت أن عليها حكما بالسجن 6 أشهر، فتدهور وضعها النفسي أكثر، وتم إبلاغنا بأن القضية أحيلت إلى محكمة الثورة".

وأوضحت أن شقيقتها راجعت المحكمة في الثاني من أغسطس/آب الجاري لحضور جلسة المحاكمة إلا أن القاضي كان في إجازة، وأقدمت على إحراق نفسها بعد الخروج من المحكمة بالبنزين، وهي غاضبة". كما نقلت وسائل إعلام إيرانية عن شهود عيان، أنها كانت تحتج على شيء ما وهي تحرق نفسها.




تعاطف سياسي وشعبي

وأثار انتحار "البنت الزرقاء" تعاطفا كبيرا على شبكات التواصل الاجتماعي، شاركت فيه شخصيات سياسية ونيابية وفنية ورياضية.

وغرّدت مساعدة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والأسرة، معصومة ابتكار، على "تويتر"، قائلة إنها تتابع القضية مع السلطة القضائية، داعية إياها إلى عدم السماح بتكرار مثل هذه الحوادث.


وأعاد هذا الحادث إشكالية حضور النساء في ملاعب كرة القدم إلى الواجهة مجددا، ليكتب قبطان المنتخب الإيراني مسعود شجاعي، على "إنستغرام" تعليقا على حرق الفتاة الإيرانية نفسها "لن يكون مفهوما للأجيال القادمة إقدام فتاة على إحراق نفسها بسبب تمديد اعتقالها بتهمة محاولتها مشاهدة مباراة لكرة القدم".

كما غرّد قبطان فريق استقلال طهران، وريا غفوري، قائلا إن "التفكير الذي يمنع دخول النساء إلى الملاعب لا مبرر له". ولا يوجد نص قانوني في إيران، يحظر دخول النساء ملاعب كرة القدم، إلا أن بعض المرجعيات الدينية تعارض ذلك، أبرزها المرجع الديني الشيخ مكارم شيرازي.

وفي آخر موقف له حول هذه القضية، قال شيرازي إن "الأجواء الحاكمة على الملاعب غير مناسبة لحضور النساء، ولا شك أن الاختلاط بين الشبان والشابات مصدر مشاكل كثيرة أخلاقيا واجتماعيا"، مضيفا أن "لا ضرورة لذهاب النساء إلى الملاعب".


وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم قد طالب الحكومة الإيرانية عدة مرات بفتح الملاعب أمام النساء الراغبات بمشاهدة مباريات كرة القدم عن قرب.

وتنص المادة 4 من النظام الأساسي للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" على أن التمييز ضد المرأة "محظور تمامًا ويعاقب عليه بالتعليق أو الطرد". وفي يونيو/حزيران الماضي، حذر رئيس فيفا، جياني إنفانتينو، الاتحاد الإيراني لكرة القدم من مواجهة عقوبات في حال عدم اتخاذ خطوات ملموسة للسماح للنساء بحضور المباريات في الملاعب.

وسبق أن سمحت إيران خلال عام 2018 لعدد محدود من النساء بالدخول إلى ملعب "آزادي" الشهير، لمتابعة إحدى المباريات، ما أثار اعتراض أوساط دينية، وأدى ذلك إلى إحباط محاولات السماح للنساء بحضور مباريات كرة القدم لاحقاً.


مساعٍ سابقة لكسر الحظر

وبذل الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، جهودا في هذا الصدد، لكنه لم يفلح في ذلك. كما وعد الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال حملته الانتخابية عام 2013 بفتح الملاعب أمام النساء لكن جهوده أيضا لم تتكلل بالنجاح لوجود معارضة قوية في أوساط دينية.

إلا أن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، أعلن خلال الشهر الماضي، أنه على الأغلب ستحضر النساء ملاعب كرة القدم في تصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم 2022.


كما أن مساعد وزير الرياضة الإيراني، محمد رضا داورزني، كشف أيضا أنه تم تجهيز الملاعب لاستقبال النساء لمشاهدة مباراة المنتخب الوطني، قائلا إنهن من المحتمل أن يحضرن أول مباراة للمنتخب.

​وتظهر صور نشرتها وسائل إعلام إيرانية خلال الأعوام الماضية، أن فتيات شغوفات بمشاهدة مباراة كرة القدم عن قرب، دخلن الملاعب بالفعل متنكرات بهيئات الرجال، لتشدد بعد ذلك السلطات الإيرانية عمليات التفتيش في مداخل الملاعب وخصوصا ملعب "آزادي" الكبير بطهران، لمنع دخول النساء.

وسبق للسلطات أن اعتقلت في 12 أغسطس الماضي، ست فتيات ناشطات تنكرن بهيئات الرجال للتمكن من دخول استاد لحضور مباريات كرة القدم عن قرب، وعرفن في إيران بـ"فتيات آزادي"، وآزادي تعني باللغة الفارسية "الحرية"، وهي اسم استاد طهران الكبير.

وفي 17 من الشهر نفسه، تم إطلاق سراح الفتيات الناشطات، وأشهرهن المصورة الصحافية في صحيفة "دنياي اقتصاد" فروغ علايي، الفائزة بجائزة "وورلد برس فوتو"، والمصورة الصحافية والممثلة المسرحية زهراء خوشنواز.
المساهمون