إيبولا في زمن الموت

22 أكتوبر 2014
كأن ما كان ينقصنا إلا تهديد بُعبُع إيبولا(فرانس برس)
+ الخط -

إيبولا.. بُعبُع بدايات القرن الواحد والعشرين. أما سبب فزع البشريّة منه، فذلك "الخوف من الموت". هذا ما يؤكّده ميشال لو جوايو أحد أساتذة الطب النفسيّ لمجلة "بسيكولوجي" الفرنسيّة.

أكثر ما يخيف الإنسان هو الموت. ومرض فيروس إيبولا قاتل. معادلة لا تحتمل النقاش. فيتأهّب العالم الحرّ لمكافحة "الشرّ المطلق". تعقد الأمم جمعيات خاصة وتُرصَد الأموال وتُحشد جهود عاملي الإغاثة. أما الوجهة، فمناطق موبوءة في دول نامية في قارة لطالما صدّرت إلى ذلك العالم الحرّ ويلات وأوبئة، قد يكون فيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) أحد أبرزها.

"التدخين يهدّد حياتنا أكثر من وباء إيبولا"، تصريح آخر للبروفسور لو جوايو. يُضاف إليه واقع تؤكده جهات مختصة، وهو أن وباء كوليرا الذي نسيه الغرب يقضي اليوم على ضحايا في جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة أكثر مما يفعل إيبولا. ويشنّ الغرب حربه على إيبولا.

تجدر الإشارة إلى أن فيروس إيبولا عندما بدأ يتفشّى في عام 1976، ظنّه العلماء فيروس الحمى الصفراء أو كوليرا. هذا ما أوضحه مؤخراً المتخصّص في الأمراض الجرثوميّة بيتر بايوت، أحد مكتشفي الفيروس الذي تحوّل اليوم إلى بُعبُع بدايات القرن الواحد والعشرين.

حتى لا يُفهم ما سبق على غير مقصده، لا أحد يشكّك في خطورة هذا الفيروس القاتل الذي عبر حدود القارة المُجرَّمة، وراح يهدّد ليس الغرب فحسب وإنما الشرق أيضاً. وتصريحات المعنيّين في بلادنا تشير إلى أننا في مرمى هذا الفيروس، نظراً لحجم الجاليات العربيّة -ولا سيّما اللبنانيّة منها- في المناطق الموبوءة.

كأننا في هذه المنطقة، في شرقنا هذا، لم نكتَفِ من البعابِع.

قد يكون البُعبُع الذي يرفع حرارة الجسم ويتسبّب بالنزيف ويقتل في أحيان كثيرة -كي لا نقول في معظم الأحيان-، أهون شراً من بعابِع ترهّب وتكفّر وتهجّر وتذبح وتصلب وتسبي. قد يكون الموت بعد ارتفاع حرارة الجسد أخفّ وطأة من الموت في العراء من جرّاء الصقيع الذي بدأ يضرب مناطقنا.

قد يكون لفظ الأنفاس الأخيرة، في خيم "أطباء بلا حدود" اللائقة وسط رعاية يقدّمها أشخاص هم أشبه بالرجال الآليين ببذلاتهم وأقنعتهم الواقية، أرحم بكثير من لفظ الأنفاس تحت شوادر أمّنتها بعض منظمات عالميّة تحت مسمّى خيم إيواء لعراقيّين وسوريّين وفلسطينيّين، حتى لا يُقال إنها تخلّفت عن تقديم "مساعدات إنسانيّة" للاجئين هربوا من صاروخ وقذيفة وعبوة مفخّخة وحدّ سيف.

هو زمن الموت في شرقنا.. في العراق وسورية ولبنان وفلسطين. كأن ما كان ينقصنا اليوم إلا تهديد بُعبُع إيبولا، لنحتفي أكثر بهذا الزمن الذي يزداد رداءة.
المساهمون