إهمال في مشافي الجزائر... تخلص غير آمن من النفايات السائلة

30 اغسطس 2019
النفايات الطبية تهدد بيئة وصحة الجزائريين (Getty)
+ الخط -

يحذر خميس علي نائب رئيس الاتحادية الوطنية لمستخدمي الصحة العمومية (نقابة مستقلة تعنى بعمال القطاع الصحي في مشافي الجزائر) من استمرار التخلص من النفايات الاستشفائية السائلة الخاصة بالمختبرات والمستشفيات الجزائرية عبر مجاري الشبكة العمومية (الصرف الصحي)، إذ يشكل الأمر خطراً بيئياً كبيراً يهدد صحة الجزائريين، وهو ما تؤكده مليكة محمد الصغير، المختصة في التعقيم في مصلحة النخاع العظمي بمركز بيار وماري كوري لمكافحة السرطان في مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة، إذ يتم التخلص من النفايات الطبية السائلة عبر مجاري الصرف الصحي، نتيجة غياب وسائل بديلة كما تقول لـ"العربي الجديد"، مضيفة أن هذه النفايات عبارة عن دم ملوث وقوارير البيكربونات ومصل وبول مرضى السرطان بعد العلاج الكيميائي ومنظفات خاصة بالتعقيم، وغيرها من المواد الكيميائية المستعملة في العمليات الجراحية.

الإهمال الطبي

يعيد رشيد بلحاج، رئيس مصلحة الطب الشرعي بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، حدوث تلك التجاوزات بمستشفيات الجزائر ومن بينها المشفى الذي يعمل فيه، إلى الإهمال الطبي، والذي يتحمل نتائجه ومسؤوليته الطبيب والممرض والأعوان المكلفون بالنفايات والفرز، نتيجة غياب حس الخطر من سوء تصريف النفايات الخطرة السائلة في ظل الافتقار لوسائل مراقبة وضبط للأمر، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن مادة الفورمول (الفورمالديهايد يعد مركباً عضوياً من فصيلة الألدهيدات ذو الصبغة الكيميائية) والتي تستعمل في الطب الشرعي (التشريح)، يتم التخلص منها في مجاري الصرف الصحي، رغم خطورتها الكبيرة على الإنسان والبيئة، لأنها مادة مسرطنة، والمفروض وضعها في براميل مخصصة لها ومن ثم تطبيق بروتوكول آمن للتخلص منها.

وتصل نسبة المؤسسات الصحية التي تصرف المخلفات الطبية السائلة عبر مجاري الصرف الصحي إلى نسبة 100%، الأمر الذي يهدد الصحة العامة والبيئة وفق تأكيد الدكتور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي (غير حكومية ومعنية بتطوير الصحة).

ويجري تصريف النفايات السائلة غير المعالجة في نظام الصرف الصحي عبر الأحواض والمراحيض بنسبة 39.3٪، بحسب استطلاع أجراه مختبر البحوث البيئية والصحية، التابع لجامعة جيلالي ليابس الحكومية بولاية سيدي بلعباس في العام 2015 بعنوان "تسيير النفايات السائلة عبر مخابر الكشف الطبية لولاية سيد بلعباس".

ويصف الاستطلاع الذي أجري على 28 مختبراً، إدارة المخلفات السائلة من قبل المختبرات الجزائرية بـ"غير المرضية"، مما يشكل خطراً على المهنيين وعامة السكان والبيئة.


وتصل نسبة المختبرات التي شاركت في الاستطلاع وتقوم بإجراء فحوصات الدم والكيمياء الحيوية والفيروسية والبكتريولوجية والطفيلية وتلك القاعدية من سوائل بيولوجية مختلفة (الدم والبول والسائل الفقري والصديد واللعاب) إلى 93.3% وفقاً لذات المصدر.

ويقوم 17 من 28 مختبراً بنسبة 60.7% بفرز النفايات السائلة حسب ما إذا كانت بيولوجية أو كيميائية أو مختلطة ولا يوجد مختبر يفصل النفايات المعدية وفقاً للأمراض "الفئة 1 أو 2 أو 3"، وفي 75٪ من تلك المختبرات يتم تجميع الأنابيب والحاويات التي تحتوي على نفايات سائلة معاً بدلاً من تخزينها في أكياس صفراء مخصصة للنفايات الطبية بحسب المصدر نفسه.

وتحتوي النفايات الطبية السائلة التي يتم تصريفها إلى المجاري على سموم وتراكيز عالية من المعادن الثقيلة، مثل مادة الزئبق بحسب تأكيد سيد علي بوفركاس مدير فرعي المالية والوسائل بالمؤسسة العمومية للصحة الجوارية التابعة لوزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، بولاية البويرة الواقعة شمال البلاد، والذي قال لـ"العربي الجديد" أن الزئبق يوجد في المئات من الأجهزة التشخيصية مثل أجهزة قياس الحرارة وجهاز الضغط الزئبقي وعندما يتم التخلص منه يحتاج الأمر إلى احتياطات خاصة.

"وتعد نفايات نشاطات العلاج، نقطة سوداء في المؤسسات الصحية الجزائرية، لأن أغلب تلك المؤسسات تتخلص من النفايات الاستشفائية الصلبة والسائلة، بطرق غير قانونية، والجميع متورطون في الأمر" بحسب تأكيد بوفركاس، مشيراً إلى أن غياب التكوين والثقافة الاستشفائية وراء التخلص العشوائي من النفايات الاستشفائية، ولا بد أن تبرمج الوزارة الوصية، كيفية التعامل مع هذه الظاهرة.



كارثة صحية

وجهت وزارة البيئة والطاقات المتجددة الجزائرية 75 إنذاراً لمؤسسات صحية في 48 ولاية جزائرية، ومتابعة قضائية واحدة، وإشعارين بالمخالفة و5 استدعاءات، و14 حالة تحفظ (منحت خلالها مهلة لتطبيق الإجراءات المعمول بها)، بسبب التجاوزات في التخلص من النفايات الطبية في عام 2018، وفق بيانات الوزارة التي حصلت عليها "العربي الجديد".

وتنتج المستشفيات والمراكز الاستشفائية الجامعية الجزائرية 50 ألف طن من نفايات النشاطات العلاجية سنوياً وفق آخر إحصائية لوزارة البيئة والطاقات المتجددة الجزائرية في العام 2016.

وأثبت تقرير "تسيير النفايات الاستشفائية" الصادر عن المفتشية العامة بوزارة الصحة وإصلاح المستشفيات الجزائرية في عهد وزير الصحة السابق مختار حسبلاوي، توثيق تجاوزات تستهدف الشبكة العمومية لمياه الصرف الصحي العمومي خلال الفترة من 2017 وحتى إبريل/نيسان 2019، بعد أن ثبت صب نفايات طبية سائلة كيميائية وبيولوجية فيها، دون أي معالجة، في ظل مخاطر العدوى الكيميائية بسبب السموم التي أنتجتها تلك النفايات.

وأكد التقرير ذاته، على غياب طرق قانونية وشرعية للقضاء على خطر النفايات الاستشفائية الصلبة والسائلة، الأمر الذي أدى الى تسيير كارثي للنفايات الطبية.


ولا يسمح القانون أن تختلط المياه الملوثة الناتجة عن المنشآت الصحية مع المياه الناتجة عن الصرف الصحي للسكان حتى لا تتسرب مواد كيميائية وميكروبات خطرة وفق ما أكده مسؤول بقطاع الصحة الجوارية لـ"العربي الجديد" (فضل عدم ذكر اسمه، لأنه غير مخول بالتصريح للإعلام)، مؤكداً أن مياه الصرف الصحي الملوثة بالنفايات الطبية السائلة السامة، قد تذهب إلى الوديان والأنهار وللأسف قد تستخدم في ري المزروعات، ما يعرض حياة الجزائريين للخطر.

وتنص المادة 11 من قانون "تسيير النفايات ومراقبتها وإزالتها" رقم 01/19 لسنة 2001، على أنه "يجب أن تتم إزالة النفايات وفقاً للشروط المطابقة لمعايير البيئة، دون تعريض صحة الإنسان والحيوان للخطر، ودون تشكيل أخطار على الموارد المائية والتربة والهواء، وعلى الكائنات الحية الحيوانية والنباتية، ودون إحداث إزعاج بالضجيج أو بالروائح الكريهة، ودون المساس بالمناظر والمواقع ذات الأهمية الخاصة".

لكن غياب الرقابة من قبل الجهات المختصة، هو سبب كل ما يحدث في المؤسسات الصحية الجزائرية من مخالفات في تسيير النفايات الطبية وفق تأكيد الدكتور محمد يوسفي رئيس مصلحة الأمراض المعدية بمستشفى بوفاريك الحكومي بولاية البليدة الواقعة شمال الجزائر والذي قال لـ"العربي الجديد"، أن إدارات تلك المشافي والمخابر الطبية مسؤولة عما يحصل من تجاوزات بحق الصحة العامة والبيئة. فيما حمل خياطي وزارة الصحة مسؤولية عدم الحد من هذا النوع من النفايات، مستدركاً بالقول: "ننتظر وزارة جديدة لكي تقوم بالعمل الواجب لمواجهة الظاهرة".

لكن مصدراً في وزارة الصحة (رفض الكشف عن اسمه لأنه غير مخول بالتصريح للإعلام) يقول إن مسؤولية تسيير النفايات لا تقتصر على وزارة الصحة، بل عملية مشتركة من عدة وزارات وهي الصحة والفلاحة والبيئة والصناعة.

وتعترف وزيرة البيئة والطاقات المتجددة، فاطمة زهرة زرواطي، بوجود تجاوزات شخصية من قبل عمال النظافة أو ناقلي النفايات، لكنها تعتبر التجاوزات أخطاء فردية يجب التبليغ عنها من قبل المواطنين، لأن المسؤولية مشتركة، مؤكدة لـ"العربي الجديد" أن وزارة البيئة تردع المخالفين من المستشفيات أو الصيادلة أو مخابر التحاليل الطبية، وتلجأ إلى طريقة الإلزام والإجبار للتعامل مع شركات مختصة في جمع النفايات. لكنها تعود لتقول: "مهما كان الجهد الذي تبذله وزارة البيئة، تبقى الإمكانيات ضعيفة لفضح كل التجاوزات خاصة في المناطق البعيدة".



"بروتوكول" التصريف الآمن للنفايات

يفترض توجيه النفايات الطبية السائلة إلى محطات تطهير تتكلف بها مديريات الري لتقييم الكتل الملوثة من ناحية خطرها بحسب المصدر العامل في قطاع الصحة الجوارية. لكن المشكلة أن أغلب مستشفيات الجزائر، تفتقد لمحطات التطهير، ما جعل قنوات الصرف الصحي قبلة لتلك النفايات السامة كما يقول، وهو ما أرجعه حميد بوعلاق، رئيس الجمعية الوطنية لمرضى التهاب الكبد الفيروسي ومنسق الجمعيات الوطنية للأمراض المزمنة بالجزائر، إلى غياب التنسيق بين وزارة البيئة والمكلفين بالقطاع الصحي والبيئة مع البلديات، وغياب دراسة تقنية من أجل إيجاد محطات للتطهير في كل مستشفى، لتصفية السوائل في نهاية المطاف.


وتعمل أجهزة التطهير على تنقية المخلفات السائلة وفصل العناصر الملوثة منها وإعدادها بحيث تصبح جاهزة للتخلص منها بشكل آمن بعد إزالة المواد الضارة تمامًا بحسب بوعلاق، مشيراً إلى أن التطهير يتم بعد إضافة بعض المواد الكيميائية وعن طريق التفاعلات الكيميائية التي تنتج عنها العمليات المساعدة لتنقية هذه المواد وإزالة المواد الملوثة من النفايات الطبية.

ويقترح ممثل اللجنة العلمية لجمعية حماية الطبيعة والبيئة لولاية قسنطينة الواقعة بالشرق الجزائري، صبيح عبد المجيد، إنشاء مؤسسة خاصة لكل مستشفى، مهمتها التخلص من النفايات الطبية بطريقة آمنة، مؤكداً لـ"العربي الجديد" على ضرورة وضع منظومة فعالة لمراقبة النفايات وتوعية الطاقم الطبي لإيقاف الخطر الذي يهدد صحة الجزائريين.