16 مايو 2018
إنهم يقتلون الأدب
عبد الغني العجان (المغرب)
"إنهم يقتلون الأدباء"، صرخة أطلقها الكاتب محمد محسن في كتابه بهذا الاسم، وهو يرصد تحويل الناشرين مجال الأدب إلى سوق طاحنة للكتاب الناشئين، حين لا يهتمون إلا بكتابة المشاهير، ينشرونها ويعيدون طبعها، أما المؤلفون الشباب فإنّهم في حاجة إلى فرصة للنشر ربما تسنح وقد لا تسنح. وفي سياق ذلك أيضاً، يشير الكِتاب إلى طبقاتٍ من النقاد الذين يقتلون الأدباء، عندما يهملونهم ويتجاهلونهم في بداية حياتهم، ويقتلونهم مرة أخرى بعد تحقيق الشهرة عندما يجاملونهم.
وأنا أتأمّل فكرة هذا الكتاب، وجدت ما يماثلها ينطبق على أكثر من حال في مشهدنا الثقافي المعاصر الذي يتعرّض فيه الأدب لما يشبه الاغتيال، حين يتم الترسيخ لثقافةٍ تمتهن البحث عن الكلمة التي تُحدث مُصاهرةً بين الأدب واللاعبين بمعنى الحياة وقيمها؛ إذ عن أي شيء يبحث الأديب وراء صَفِّ الكلمات، والتجرّد لمداعبة الحروف، والانقطاع للبحث عن شوارد الكلم، واختيار اللفظ، وبناء القصيد، إن لم يصدر في إبداعه عن رؤية فنيةٍ مؤسِّسةٍ بانية لا هادمة، شاهدة على لحظتها، لا غائبة، لا تَحْرِفُ الحقائق، ولا تظفر إلا بالحق؟
ولهذا، فإِذا استهلك الأديب وقته مستنفذاً إياه في البحث عن نقطة ضوء في دوائر الحظوة والتساكن مع العابثين بالكرامة الآدمية، فإنما إنتاجه حروف تجر الأدب إلى الحتوف في الحس والمعنى والذوق والرسالة. ولله در الناقد الأريب إدريس الزمراني، حين قال: "قَدَرُ الكاتب أن يجوع من أجل أن تكبر كلماته تحت الشمس.. قدر الكاتب الحق أن يجوع ويعاني من أجل أن تشبع كلماته، وأن يُحاصر من أجل أن تنعتق أفكاره وأحلامه من ربق المهانة وذل الوقوف على الأبواب".
إنهم يغتالون الأدب، حين يؤسسون لثقافة النشر المفتوح بلا ضوابط مؤسسة لإبداع حقيقي، يلوذ بآليات الصناعة الإبداعية وأدواتها. والنتيجة تكاثر الكتابة الدَّعِيَّة كالفطر بعد المطر، "حتى أوشك كلامنا أن يصبح شعرا، وحتى خشينا أن يمسي كل من يحمل قلما.. شاعرا، بدون وجل وخوف محاسب. وهذه عوامل الفوضى السائدة في وسطنا الأدبي"، بتعبير الناقد المغربي محمد بن العباس القباج.
ولهذا فإنّ النشاط الأدبي، وقبل أن يُلْقَى به بين يدي الزمان المفتوح، لا بد فيه من رَوِية وإعادة نظر وإحكام وعمق؛ إذ من صالح الثقافة الإبداعية أن يتقمّص المبدع فيها أولاً دور الناقد بحثاً في قيمها الفتية، وحال نشوئها، وتبلورها في سيرورتها التكوينية إلى حين خروجها إلى المتلّقي في أبهى حلّة.
نقول هذا، لأنّنا لا نريد من مساحة الأدب المُغتال أو المتخلّى عنه بعد فترة من قِبل مبدعيه ومتلقيه أن تتسع. فلم يحدثنا التاريخ الأدبي عن خجل المبدع الكبير زهير بن أبي سلمى من معاودة النظر في شعره قبل إخراجه.
نريد لنظرية زهير في الخلق والإبداع أن يكون لها شأن، كما نريد لحركة النقد الجاد أن تأخذ مكانها في تعقّب حركة النشر وتوجيهها نحو جودة المكتوب. لأنّ ذلك في تصوّري من صميم مصلحة الثقافة الإبداعية التي تعدّ قضية وطنية ينبغي أن نضع فيها صورة البلد الثقافية والعلمية فوق كل اعتبار.
وأنا أتأمّل فكرة هذا الكتاب، وجدت ما يماثلها ينطبق على أكثر من حال في مشهدنا الثقافي المعاصر الذي يتعرّض فيه الأدب لما يشبه الاغتيال، حين يتم الترسيخ لثقافةٍ تمتهن البحث عن الكلمة التي تُحدث مُصاهرةً بين الأدب واللاعبين بمعنى الحياة وقيمها؛ إذ عن أي شيء يبحث الأديب وراء صَفِّ الكلمات، والتجرّد لمداعبة الحروف، والانقطاع للبحث عن شوارد الكلم، واختيار اللفظ، وبناء القصيد، إن لم يصدر في إبداعه عن رؤية فنيةٍ مؤسِّسةٍ بانية لا هادمة، شاهدة على لحظتها، لا غائبة، لا تَحْرِفُ الحقائق، ولا تظفر إلا بالحق؟
ولهذا، فإِذا استهلك الأديب وقته مستنفذاً إياه في البحث عن نقطة ضوء في دوائر الحظوة والتساكن مع العابثين بالكرامة الآدمية، فإنما إنتاجه حروف تجر الأدب إلى الحتوف في الحس والمعنى والذوق والرسالة. ولله در الناقد الأريب إدريس الزمراني، حين قال: "قَدَرُ الكاتب أن يجوع من أجل أن تكبر كلماته تحت الشمس.. قدر الكاتب الحق أن يجوع ويعاني من أجل أن تشبع كلماته، وأن يُحاصر من أجل أن تنعتق أفكاره وأحلامه من ربق المهانة وذل الوقوف على الأبواب".
إنهم يغتالون الأدب، حين يؤسسون لثقافة النشر المفتوح بلا ضوابط مؤسسة لإبداع حقيقي، يلوذ بآليات الصناعة الإبداعية وأدواتها. والنتيجة تكاثر الكتابة الدَّعِيَّة كالفطر بعد المطر، "حتى أوشك كلامنا أن يصبح شعرا، وحتى خشينا أن يمسي كل من يحمل قلما.. شاعرا، بدون وجل وخوف محاسب. وهذه عوامل الفوضى السائدة في وسطنا الأدبي"، بتعبير الناقد المغربي محمد بن العباس القباج.
ولهذا فإنّ النشاط الأدبي، وقبل أن يُلْقَى به بين يدي الزمان المفتوح، لا بد فيه من رَوِية وإعادة نظر وإحكام وعمق؛ إذ من صالح الثقافة الإبداعية أن يتقمّص المبدع فيها أولاً دور الناقد بحثاً في قيمها الفتية، وحال نشوئها، وتبلورها في سيرورتها التكوينية إلى حين خروجها إلى المتلّقي في أبهى حلّة.
نقول هذا، لأنّنا لا نريد من مساحة الأدب المُغتال أو المتخلّى عنه بعد فترة من قِبل مبدعيه ومتلقيه أن تتسع. فلم يحدثنا التاريخ الأدبي عن خجل المبدع الكبير زهير بن أبي سلمى من معاودة النظر في شعره قبل إخراجه.
نريد لنظرية زهير في الخلق والإبداع أن يكون لها شأن، كما نريد لحركة النقد الجاد أن تأخذ مكانها في تعقّب حركة النشر وتوجيهها نحو جودة المكتوب. لأنّ ذلك في تصوّري من صميم مصلحة الثقافة الإبداعية التي تعدّ قضية وطنية ينبغي أن نضع فيها صورة البلد الثقافية والعلمية فوق كل اعتبار.
مقالات أخرى
07 اغسطس 2014