لم تكن تصريحات الرئيس الأميركي، بارك أوباما، في ديسمبر/كانون الأول 2012، بأن بلاده ستتخطى المملكة العربية السعودية، لتصبح أكبر منتج للنفط في العالم عام 2017، بفضل النفط الصخري، مجرد تصريحات عادية، وإنما مقدمة لما يحدث حالياً في أسواق النفط العالمية، وكذلك لما هو آت في السنوات المقبلة.
فهبوط أسعار النفط، إلى ما دون 62 دولاراً للبرميل، مقابل نحو 115 دولاراً في يونيو/حزيران 2014، يشير إلى حقبة جديدة، ربما تؤرخ لاستنزاف دول الخليج ولا سيما السعودية، صاحبة الحصة الأكبر في منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك".
ويلعب النفط الصخري الأميركي دورا كبيراً في تهاوي أسعار النفط عالمياً، وهو ما دفع منتجي "أوبك" إلى الدخول في حرب تكسير عظام مع النفط الصخري في محاولة للعب على عامل تكلفة الإنتاج، حيث تتراوح تكلفة البرميل في هذه النوعية من النفط بين 40 و70 دولاراً، مقابل نحو 20 دولاراً للبرميل في النفط التقليدي.
وقد تبدو المعادلة من منظور منتجي "أوبك" سليمة، لو أن الاقتصاد الأميركي سيتعرض لضربات موجعة حال دفع نفطه للخروج من معادلة السوق العالمية، مثلما يحدث الآن بشكل تدريجي من تعرض اقتصاد دول الخليج وأوبك بشكل عام لعثرات مالية جراء انخفاض أسعار النفط بنحو 50% في أشهر معدودة، لكن إذا ما نظرنا إلى أن النفط لا يمثل أكثر من 5% من إجمالي الناتج المحلي الأميركي البالغ 16.7 تريليون دولار، بينما يتجاوز 90% في دولة مثل السعودية، التي يبلغ إجمالي ناتجها المحلي 746.6 مليار دولار، فإن الأمر يبدو مختلفا وأكثر كارثية على دول النفط العربي، التي قد تتعرض اقتصاداتها لضربات قاسية خلال السنوات العشر المقبلة، لن تتوقف عند حدودها، وإنما ستطال أغلب البلدان العربية، التي تعتمد على الفوائض المالية للخليج سواء المتمثلة في تحويلات العمالة العربية، أو حتى المشروعات التي تجري باستثمارات خليجية هنا وهناك.
وفي مارس/آذار الماضي، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، عن مصادر في "أوبك"، توقعها أن تكون أسعار النفط في حدود 76 دولاراً للبرميل عام 2025، في مؤشر على قلق "أوبك" من أن يكون المنتجون الأميركيون المنافسون قادرين على تحمل هبوط الأسعار، والاستمرار في ضخ إمدادات متواصلة من النفط الصخري.
اقرأ أيضا: أميركا تهزم السعودية وتصبح أول منتج للنفط عالمياً
البعض لاسيما من المسؤولين وخبراء الاقتصاد في منطقة الحليج، يرون أن دول مجلس التعاون الخليجي لديها فوائض مالية تؤهلها لتحمل الأسعار الحالية للنفط لمدة لا تقل عن 7 سنوات، لكن أرى أن هذه مجرد محاولات لطمأنة الذات أو التوهم، فكل يوم تحدث تطورات في تقنيات استخراج النفط الصخري وتقل تكلفة الإنتاج ولا تزداد على عكس ما يتم الترويج له.
وبسبب هذه التقنيات المتقدمة، تم خلال الفترة بين 2011 و2013 اكتشاف كميات كبيرة للنفط الصخري، ليبلغ إجمالي قيمة احتياطي الولايات المتحدة من النفط الصخري الممكن استخراجها أكثر من تريليون برميل، وهو يساوي أربعة أضعاف احتياطي السعودية من النفط التقليدي والذي يبلغ 268 مليار برميل، وفق البيانات الصادرة عن المملكة، ويساوي كذلك احتياطي النفط الموجود في جميع الدول الأعضاء بمنظمة أوبك.
وإذا ما كانت تراهن دول أوبك لاسيما الخليجية على عدم اعتمادها بشكل كبير على الولايات المتحدة في معدلات تصديرها للخام، وتركيزها على أسواق آسيا لاسيما الصين واليابان، فإن المؤشرات تدل على أن هناك من يتبع الولايات المتحدة في تطوير تقنيات استخراج النفط الصخري، منها الصين نفسها وعدة دول أوربية، يمكنها أن تنضم مستقبلاً لقائمة الاستغناء عن نفط العرب.
والنفط الصخري هو أحد أنواع النفط الخفيف، الذي يتم إنتاجه من أنواع من الصخور المحتوية على مواد عضوية رسوبية، تتحول عبر عمليات الانحلال الحراري أو الهدرجة إلى سائل هيدروكربوني يشبه النفط في مكوناته، وبسبب التقنيات فإن مخزونات النفط الصخري في العالم تضاعفت بـ 10 مرات في السنوات القليلة الأخيرة.
وبينما ظل العديد من االمسؤولين الخليجيين، يطلقون تصريحات بأن تهاوي أسعار النفط التقليدي بسبب "المارد الصخري" لن يكون له تأثير، فها هي العديد من الشركات الكبرى هنا وهناك بدأت تفصح عن إيقاف مشروعات مخطط لها قبل سنوات وتعلن عن ضغط في نفقاتها والاستغناء عن عمالة في قطاع ظل الموظون فيه في حصانة من التسريح، حتى في أوج الأزمات الاقتصادية العالمية، الأمر أصبح فعلا يحتاج إلى حلول عاجلة تحفظ ثروات الشعوب وإيجاد حلول لمواجهة ما تحت ضخور الأميركيين، دون أن نفرط في مقدراتنا وأن نستدرج إلى الاستنزاف ونترك لهم الساحة يفعلون بناء ما يشاءون، فأكثر ما يثير الانزعاج أن تعترف أوبك بأنه منذ التسعينيات كانت تقديراتها عن المنافسين خاطئة، فمن إذا يملك التقديرات الصحيحة عن ثرواتنا؟.
اقرأ أيضا:
مصالح مشتركة بين طهران وشركات النفط الصخري
تقرير كويتي يحذر من استمرار تهاوي أسعار النفط
إيران تدعو الإمارات إلى مؤتمر الدول المصدرة للغاز