إنقاذ ما يمكن إنقاذه

08 أكتوبر 2015
ثروات الخليج مهددة بالخطر (أرشيف/Getty)
+ الخط -


مقولة للاعب البيسبول (كرة القاعدة) الأميركي الشهير، يوغي بيرّا، والذي توفي يوم 22 سبتمبر/أيلول الماضي: "لم يعد المستقبل كما كان".

ولعل هذه الجملة الطريفة الذكية، من هذا الشخص المثقف في مدرسة الحياة، تحكي لنا ما آل إليه مستقبل كثير من الدول العربية. والمشكلة أن العرب، الذين لم يعرفوا ماذا كانوا يريدون الوصول إليه، قد وصلوا إلى أمكنةٍ وظروفٍ لا يريدون أن يكونوا فيها.

وكم دولة صارت محاصرة بين فكي خيارات صعبة، لا تعرف أياً منها تختار، هذا إذا افترضنا أنها قادرة على الاختيار، أو التأثير في نتائجه.

وسواء كانت الدول تعاني من انقسامات وحروب داخلية، أم أنها تقف على حدود النار المشتعلة في دول في جوارها، فإن القلق يحيط بها.

والأنكى أن الكل يتحدث عن تحولاتٍ في المنطقة، ومؤامراتٍ تحاك لتقسيمها، لكن الكل ينسى أن لهذه الأمة إرادة، لو سادت لوحّدتها، وجعلتها عنصراً محركاً في تحديد مستقبلها.

ويبدو، أحياناً، فجر أمل في سماء دولة بأن حربها الداخلية سوف تنتهي، وأن الأطراف الكثيرة في معادلة خصوماتها اقتربت من الاتفاق على أمرٍ ما. ولكن، سرعان ما تكتشف أن هذا لم يكن سوى فجر كاذب، وأن الصبح ليس قريباً. وهذا ما يحصل في ليبيا الآن.

وفي سورية، دخلت القوات الروسية المقاتلة، وبدأت حربها داخل سورية بحجة الدفاع عن النفس من المحاربين الشيشان والداغستان الذين يقاتلون إلى جانب المعارضة في سورية، أياً كانت تلك المعارضة من داعش إلى النصرة، أو القاعدة، أو التنظيمات المعتدلة، أو غيرها.

ويقول لنا وزير خارجية روسيا، سيرجي لافروف، إنه يحارب الإرهابيين. وهؤلاء الإرهابيون يعرفون أنهم أولئك الذين يمشون ويتصرفون ويتحدثون ويقاتلون مثل الإرهابيين، فهل يعقل ألا يكونوا إرهابيين!

ولكنّ الإرهاب في عيني لافروف نفسه. فمن هو هذا الذي يمشي كإرهابي ويتحدث كإرهابي؟ إنه الذي يعارض النظام في سورية.

وبدخول روسيا إلى المعركة، تثور أسئلة كثيرة. لماذا الآن؟ ولماذا فوراً بعد لقاء الرئيسين، بوتين وأوباما، ولقاء وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة، لافروف وكيري.

هل نسجت هذه الاجتماعات مؤامرة، أم أنها أبرزت الخلافات بينهما، مما دفع الروس إلى الهجوم.

لم تغادر روسيا سورية أبداً منذ سنين طويلة. ولها قاعدة عسكرية في طرطوس. فهل صحيح ما قاله الرئيس أوباما إن روسيا بتدخلها كانت تسعى إلى إنقاذ نظام الرئيس الأسد؟
الأسئلة كثيرة، والإجابات غير واضحة.

ولكن، من المؤكد أن كل الدول التي تدخلت في شؤونها الدول الكبرى انتهت بالتقسيم، ولو بعد فترة طويلة. فدخول الروس والأميركيين في الحرب العالمية الثانية إلى أوروبا أدى إلى تقسيمها. ودخول الطرفين في ألمانيا أدى إلى تقسيمها.

وبعد موت الرئيس، جوزيف تيتو، عام 1980، بدأت تظهر ملامح حرب أهلية بين الفرقاء في يوغسلافيا، وقد أدى تدخل الدول العظمى فيها إلى تقسيمها إلى ست دول. وفي مطلع الخمسينيات، تدخلت الدول العظمى، روسيا والصين من ناحية، والولايات المتحدة و"الناتو" من ناحية ثانية، في شبه الجزيرة الكورية، مما أدى إلى تقسيمها.

وحصل تطور مماثل في فيتنام، قبل انسحاب القوات الأميركية منها، وسقوط لاغوس أو هوشي منه في يد قوات المقاومة وفيتنام الشمالية في منتصف عام 1975.

اقرأ أيضاً: الغارات الروسية تخفّض سِعر صرف الليرة السورية

هذه أمثلة تدل على أن التاريخ يقول لنا إن سورية، في وضعها الراهن، متجهة نحو التقسيم، إذ لا يمكن العودة إلى ما كانت الأمور عليه قبل أربع سنوات، ولا يمكن، أيضاً، أن يقبل الأميركان والحلفاء بما ترضى به روسيا من حل، انتقالياً كان أم نهائياً.

أما العراق، فإن العودة إلى ما كان عليه قبل 2003 فغير مقبول كذلك، فالأكراد لا يمكن أن يقبلوا ذلك. كما أن إمكانية المصالحة بين غرب العراق وشماله من ناحية، ووسطه وجنوبه من ناحية أخرى، أصبحت غير قابلة للتنفيذ في المدى المنظور لسنوات مقبلة.

واليمن، في أحسن الأحوال، ستبقي فتيلة النزاع الخليجي الإيراني فترة طويلة. والسؤال الذي يجب أن يدور في أذهان كل العرب: كم ستطول حرب اليمن؟ وهل إنهاؤها في مدة معقولة ممكن؟ أم أنها ستطول حتى تطال الأخضر واليابس؟

ومع وجود الأزمات الاقتصادية وآلة التطاير في الأسواق العالمية، باتت ثروات الخليج مهددة بالخطر، خصوصاً في ظل تراجع أسعار النفط، والتركيز على انبعاث الغازات الكربونية (مؤتمر باريس المقبل)، والاستثمار الكبير في الطاقة المتجددة، وابتكار السلع المعتمدة على الطاقة البديلة.

ما ينتظر الوطن العربي من تطورات جسيمٌ بكل معنى الكلمة، وخصوصاً في المشرق العربي. وإذا أضفنا إلى هذه كلها احتمالات تطور القضية الفلسطينية، وتآمر إسرائيل على الأقصى، فإن وقائع ذات دوي وصدى كبيرين مرشحة للحدوث سوف تحدث، فوق ما تشهده المنطقة الآن من أحداث كبرى.

على المفكرين في الوطن العربي أن يبدأوا في الصدق مع أنفسهم، ثم مع حكامهم. ليس هذا وقت التلاوم والعتاب، ولا هو وقت الجدال البيزنطي، ولا وقت إلقاء اللوم على قادة الدول العظمى، ومن يسير في ظلهم، ولا هو وقت ترك الأمور لأولياء الأمور وحدهم.

علينا أن نسارع إلى إيجاد حلول سريعة للمشكلات العالقة، وإنهاء حالة الحرب والاضطراب. وهذا يتطلب من المفكرين أن يقدموا حلولاً خلاقة للخلافات. والأفضل أن نتوصل في العراق، وسورية، واليمن، وليبيا، إلى حلول ولو كانت ناقصة، من أجل احتواء جميع الخصوم تحت مظلة واحدة في كل دولة.

وأن نوقف المعارك فوراً، ونلجأ إلى الحوار. وهو الحل الوحيد الذي يخرج منه الجميع بما تبقى لهم من كرامتهم وكبريائهم ومواردهم، وكفانا قتلاً وذبحاً وانتحاراً، ومهانة.

وعلينا بعد ذلك، أن نضع ميثاقاً ملزماً نحيي به التزامنا باحترام خصوصياتنا، وتصدّينا للأعداء المشتركين، كائنين من كانوا. وأن نقلل من عصبياتنا، واستخدامنا الدين غطاءً ومبرراً لسلوكياتنا.

وبعدها، علينا أن نتنبه إلى من تبقى من أبناء هذا الجيل الشبابي الضائع، فنضمن لهم مستقبلاً يجعلهم قادرين على حماية مستقبل الأمة، وبناء جيل جديد منهم قادر على تجاوز ما لم نستطع نحن تجاوزه من عصبيات جاهلية.

أية لغة غير لغة التصالح والتوافق، وإطفاء النيران، ونبذ حديث الفرقة والتعصب والاستقواء على الآخر والتكفير، يجب أن تُرفض، هذا إذا أردنا أن ننقذ ما يمكن إنقاذه.


اقرأ أيضاً:
المرحلة الثانية من عمليات الشرعية: الإمساك بالسواحل اليمنية
الحوثيون يهدّدون بتعطيل التجارة العالمية بعد تحرير باب المندب

المساهمون