بعد أن صادق "المجلس الإداري للمركز السينمائي المغربي"، مؤخراً، على الميزانية المخصّصة من أجل "صيانة الأرشيف السينمائي والحفاظ عليه، وتكوين أُطر متخصّصة وتجهيز المختبر الرقمي"، يبدو أن مشروع "رقمنة الأرشيف السينمائي الوطني المغربي" سيكون أكبر تحديات المؤسسات التي ستتكفل بتنفيذه في المرحلة المقبلة.
يسعى المشروع إلى حفظ، ليس فقط الأرشيف السينمائي، بل الذاكرة السمعية والبصرية للمغرب. جدل كثير أُثير حول الجهة أو الجهات التي يُفترض أن تنّفذ المشروع، وضرورة أن تتم هذه العملية داخل "المركز السينمائي المغربي" حفاظاً على المادة الأرشيفية من النقل أو التلف أو القرصنة، لكن هذا لا يمنع أن المشروع يهمّ قاعدة كبيرة من الباحثين والسينمائيين بل والإعلاميين وكذلك المؤرخين، إذ يتضمن رقمنة 1200 ساعة من التسجيلات السينمائية يعود بعضها الى عشرينيات القرن الماضي، والبعض منها يؤرخ للمرحلة السينمائية الكولونيانية، كما أن الأمر لا يتوقف عند الأفلام بل يتعداه الى الشرائط الوثائقية والنشرات الإخبارية.
تتخذ عملية الرقمنة نظام الأشطر، أي تصنيف المادة المتوفّرة رقمياً إلى مراحل تاريخية محدّدة. وهو ما سيجعل من الوثائق المرقمنة تعبيراً عن مراحل تشكُّل السينما المغربية. ثمة عمل مهم ينتظر المؤرخ والباحث بعدها، لأن الرقمنة لن تساعد إلا في ترميم ذاكرة السينما المغربية، والحال أن المؤرّخ بإمكانه استنطاق ذاك الأرشيف الغني والوصول الى كتابته.
ووفقاً لما صرّح به "المركز السينمائي المغربي"، يشمل الأرشيف الذي سيجري تحويله إلى مكتبة رقمية، مواد مصوّرة ومسجلة على شرائط 35 و16 ملم في وحدات مدّتها مئة دقيقة، وتشمل هذه الوحدات المعنية سبعين فيلماً وثائقياً وعشرين فيلماً روائياً و150 روبورتاجاً، تم تنفيذها في الفترة الممتدة من 1905 الى 1940، وهي الخاصة بالمرحلة الأولى من المشروع.
يطمح القائمون على المشروع بالوصول إلى رقمنة مئة سنة من تاريخ السينما المغربية وأرشيفها الوطني، بما يوفّر للباحثين والمؤرخين، مادة علمية دقيقة، تمكّن من تصحيح الكثير من فجوات التاريخ، والتأريخ لبعض المراحل والمحطات الفنية في عمر السينما المغربية. إلى جانب قدرة أرشفة قرن كامل من الصورة السينمائية من وضع بانوراما لمراحل تطوّر هذه السينما واتجاهاتها وتأثرها بالواقع السياسي والاجتماعي والثقافي.
كما يتطلع المشروع، في مراحل أخرى، إلى أرشفة مجالات غير سينمائية تقترب من فضاء السمعي البصري، حفاظاً على خزّان ثقافي مهم من التلف والضياع، لا سيما أن الأشرطة القديمة تحتاج إلى ترميم لقابليتها للتلف بشكل كامل.
مشروع رقمنة السينما، وقبله تأسيس "مؤسسة أرشيف المغرب"، ليس إلا مدخلاً إلى تحويل ذاكرة الثقافة المغربية كلّها إلى مكتبة رقمية ضخمة. الثقافة التي تظل ذاكرتها هشّة في غياب مؤرخي الفن والسينما والأدب والمهتمين بالأرشفة والتوثيق في المغرب وفي البلاد العربية ككل.