إنجاز مبهر: إطلاق أول صورة لثقب أسود

10 ابريل 2019
أول صورة للثقب الأسود (إفنت هورايزون تلسكوب)
+ الخط -

 

عند الساعة 2:07 (توقيت غرينيتش) من بعد ظهر اليوم الأربعاء، كُشف لأول مرة في تاريخ البشرية عن صورة حقيقية لثقب أسود في الفضاء، في إنجاز تاريخي سيعيد تسليط الضوء على نظرية النسبية العامة للفيزيائي ألبرت أينشتاين. 

وفي بث مباشر من ست مدن مختلفة (واشنطن، وبروكسل، وسانتياغو، وشنغهاي، وتايبه، وطوكيو) أعلن فريق العلماء المؤلف من 200 شخص، عن الصورة التي ظهر فيها الثقب الأسود المركزي للمجرة العملاقة M87 البعيدة عن كوكب الأرض 55 مليون سنة ضوئية.

وتُظهر الصورة هالة من الغبار والغاز، تتتبع مدار ثقب أسود ضخم، وسط مجرة "ميسيير 87" Messier 87، على بعد 55 مليون سنة ضوئية من الأرض.

وكان هذا المشروع قد انطلق عام 2012 تحت اسم "إيفنت هورايزون تليسكوب"، وهو شراكة دولية قامت لرصد بيئة الثقب الأسود. 

وفي المؤتمر الصحافي، كشف العلماء العاملون على هذا المشروع أن هذا الثقب الأسود عملاق، ويصل حجم كتلته إلى 6.4 مليارات مرة حجم كتلة الشمس. وتركزت التلسكوبات الراديوية (عددها 8) التي جمعت البيانات الأولية حوله في ولايتي أريزونا وهاواي في الولايات المتحدة، إضافة إلى المكسيك وتشيلي وإسبانيا والقارة القطبية الجنوبية، ثم أضيفت تلسكوبات في فرنسا وغرينلاند. 

وخلقت كلها تلسكوباً افتراضياً بنفس حجم الأرض تقريباً. وأوضح العلماء أن الثقب الأسود نفسه لا يظهر بشكل واضح في الصورة المنشورة لأنه لا يخرج أي ضوء، لكن ما نراه هو ظل الثقب، بما أنه محاط بكمية مهولة من الجسيمات المضيئة.


ما هي الثقوب السوداء؟
يعرّف موقع "الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء" (ناسا) هذه الثقوب على أنها "مكان في الفضاء يتمتّع بجاذبية كبيرة، لا يستطيع حتى الضوء الهروب منها. وسبب هذه الجاذبية الكبيرة هو أنها مضغوطة ومتجمّعة في مكان ضيّق جداً". ونظراً إلى أن الضوء يستحيل أن يخرج من هذه الثقوب بسبب صغرها، فإنها تبدو غير مرئية. تلفت "ناسا" إلى أن رؤية هذه الثقوب ممكنة بتلسكوبات متخصصة ودقيقة "وعند مراقبتها تمكن رؤية النجوم القَريبة من الثقب الأسود تتصرف بطريقة مختلِفة عن النجوم الأخرى".


ما حجم الثقوب السوداء؟

قد تكون الثقوب السوداء صغيرة أو كبيرة، ويعتقد العلماء في "ناسا"، كما يرد على موقع الوكالة الرسمي، أن حجم أصغر الثقوب يعادل حجم ذرة واحدة (atom). أما أكبر الثقوب فتسمى "الثقوب فائقة الكتلة supermassive".

متى تشكّلت الثقوب السوداء؟
يعتقد العلماء أن الثقوب السوداء الصغيرة موجودة منذ تشكيل الكون. أما الثقوب السوداء النجمية فتتشكل من جراء موت وسقوط نجم كبير، بينما الثقوب السوداء فائقة الكتلة فظهرت مع تشكيل مجرة درب التبانة.


أي ثقوب خضعت لهذه الدراسة؟
استهدف الباحثون ثقبين أسودين عظيمي الكتلة. يعرف الأول بثقب "ساجيتاريوس إيه ستار"، ويقع في مركز مجرة درب التبانة وتزيد كتلته عن كتلة الشمس بأربعة ملايين مرة، ويبعد 26 ألف سنة ضوئية عن الأرض.

والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في عام وهي 9.5 تريليونات كيلومتر.

أما الثقب الأسود الآخر فيدعى "إم 87"، ويقع في مركز مجرة "فيرغو إيه" المجاورة وتزيد كتلته بنحو 3.5 مليارات مرة عن كتلة الشمس ويبعد 54 مليون سنة ضوئية عن الأرض.

كيف تتشكل الثقوب السوداء النجمية؟
تبدأ العملية بنجم عملاق يتخطى كتلة الشمس بأكثر من ثماني مرات. تقف تلك النجوم مستقرة بين قوتين متضادتين، الأولى هي ثقل مادة النجم نفسه وضغطها على مركزه، والثانية هي القوى الناتجة من الاندماج النووي في مركز هذا النجم، تلك التي تدفع ضد الضغط على المركز فتمنع النجم من الانهيار.
يستمر النجم طوال عمره متزناً بين هاتين القوتين، لكن الهيدروجين ينضب في مرحلة ما، وهو ما يتسبب في أن يفقد النجم اتزانه وتنتصر قوى الضغط على قوى الاندماج النووي، فينهار النجم على ذاته في لحظة بانفجار يسمى "المستعر الأعظم" (سوبرنوفا).
وتبرز هنا ثلاثة سيناريوهات: إما أن يتحول النجم بعد انفجاره إلى قزم أبيض أو نجم نيوتروني أو ثقب أسود. وفي الاحتمال الأخير يعتقد العلماء أنه بسبب كتلة النجم الفائقة فإنه لا يمكن لهذا الانهيار أن يتوقف إطلاقاً، فتنكمش مادة النجم تدريجياً، لتصبح بحجم نقطة لا أبعاد لها تسمى "التفرد" (سينغولاريتي).




كيف يعلم العلماء بوجود الثقوب السوداء؟
يمكن للمراقبين رؤية الثقب الأسود بسبب الجاذبية القوية التي تسحب كل الضوء إلى وسط. فعند اقتراب نجم وثقب أسود من بعضهما، ينتج عن ذلك ضوء عالي الطاقة. هذا النوع من الضوء لا يمكن أن يرى بالعين المجردة. إذ يستعمل العلماء أقماراً صناعية وتلسكوبات في الفضاء لرؤيته. هل يستطيع أي ثقب أسود ابتلاع الأرض؟ تنفي وكالة "ناسا" هذه الفرضية، على اعتبار أنه لا يوجد أي ثقب أسود قريب كفاية من كوكب الأرض.

هل يمكن النجاة من ثقب أسود عند السقوط فيه؟
سؤال كان في البداية جوابه محسوماً بالنسبة لعلماء الفيزياء. فطالما أن الثقب يبتلع الضوء، وهو الأسرع في العالم، فبالتالي لا شيء يمكنه الإفلات من جاذبيته. لكن عالم الفيزياء ستيفن هوكينغ برهن سنة 1975 أن إشعاعاً حرارياً (سُمّي بإشعاع هوكينغ) يخرج من هذه الثقوب، وبالتالي فإن إمكانية النجاة ممكنة. ومع ذلك نظريته بقيت محط جدل كبير، خصوصاً ان تعريف طبيعة هذا الإشعاع بقي مطاطياً وغير واضح.



دلالات
المساهمون