إقصاء عبد ربه وتسمية عريقات

08 يوليو 2015

ياسر عبدربه وصائب عريقات

+ الخط -
ألقى إعفاء ياسر عبد ربه من أمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حجراً صغيراً في بركة كبيرة غير راكدة. لكن وقع رمية عبد ربه أسهمت في التذكير بالمآلات البائسة التي وصل إليها الكيان الفلسطيني. فالوضع الراهن، الشعبي والرسمي والفصائلي الفلسطيني، لا هو في سكون كُلي يسبق العاصفة، ولا هو في انحباس أنفاس تام، في انتظار شيء متوقع، ولا هو، كما قالت العرب في القديم، ماءٌ في أباطح الأرض لا يُفطَنُ له، لكنه مثلما أتمت العرب قولها ذاك: إذا حُفِرَ عنه مقدار ذراع جاش!
المعنيون بخيمة السلطة والمنظمة جاشوا عندما حُفر مقدار ذراع في بئر العائلة السياسية الصغيرة، صاحبة "أوسلو". فقد تحاببت هذه العائلة، ثم تباغضت بالجملة والمفرق. واليوم، يجد عبد ربه نفسه خارج اللقب. وأمانة سر اللجنة التنفيذية، مخصوماً منها كل تأويل في أحاديث الوراثة والتوريث؛ لا تعني شيئاً. وعبد ربه لا يزال عضواً في اللجنة التنفيذية، ويعمل بقدر ما يعمل سائر أعضائها، ومنهم متغيبون دائمون.
مرة سألت ياسر عبد ربه، كيف تكون عضواً في اللجنة التنفيذية، وتقبل منصب وزير الإعلام في السلطة الفلسطينية؟ ذكّرته يومها، بأهمية عضو "التنفيذية" حسب وثائق المنظمة ولوائحها. أجابني: هل أنت مقتنع، مع وجود السلطة والحكومة، أن اللجنة التنفيذية تمثل قيادة فعلية للشعب الفلسطيني؟ معنى ذلك أن عضوها سنوات طويلة، وأمين سرها سنوات، حسم الأمر سلفاً، بأن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير باتت فاقدة القدرة على أن تقرر في شيء، أو أن تحسم أمراً يكون أعضاؤها اعترضوا عليه. فهي تأخذ العلم ببعض الشيء. وللإنصاف، وقع هذا الكساح التام، مع بدء "العملية السلمية"، وفي ظل قيادة الشهيد ياسر عرفات. و"أوسلو" إقصائية بطبيعتها، تجاوزت الأطر، ليس الفلسطينية وحسب؛ وإنما العربية والدولية، وفرضت نفسها بعدئذٍ على كل الأطر، بقوة الذين اعتمدوها وراهنوا عليها. وعلى امتداد مسارها، استُبدل النقاش الوطني الديموقراطي حول معطيات الصراع، بالانطواء على أوهام في الحلقات الضيقة، وحلّت القنوات السرية محل السياسات المعلومة بخطوطها العامة وأهدافها. وخلال الأعوام التي زادت عن العشرين، قام كل مسعى، على فرضيات هشة، وأراجيف، إما مدها الأميركيون والمحتلون الصهيونيون كالطُعم، فابتلعها المنتشون بأدوارهم، أو جاء بها مبشرون كاذبون من مدمني السفر الباذخ، لكي يبرروا سفرهم، ولكي لا نتوقف لإصلاح عرباتنا "كي لا تسخر الطرقات منا"، حسب تعبير محمود درويش!
خاب أمل الشعب الفلسطيني في شرائحه السياسية، ولم يعد يكترث لأنباء من شاكلة إقصاء ياسر عبد ربه، أو تعيين صائب عريقات قائماً باللا أعمال التي كان يقوم بها الأخير.
لم يكن ثمة أسف على إزاحة عبد ربه، مثلما لم يكن ثمة إعجاب بإقصائه. ومن المفارقات، أن تسمية عريقات كانت بمثابة رسالة فقدان صلاحية لفتحاوي آخر، كان وما زال يطمح الى أمانة سر التنفيذية، وإلى الزعامة، بمعنى أن لا علاقة للتسمية بتدخلات دولية أو إقليمية!
ربما يحال إلى فراغ الوقت وخلو الوفاض من المهام والمشاغل، جزءٌ من السبب الذي جعل فتحاويين يفترضون أن تسمية صائب عريقات هي المدخل لمنصب نائب الرئيس وخليفته. وفي الواقع وعند الجد، ليست هذه هي الطريقة التي يقبلها الفلسطينيون عند اختيار رئيسهم أو نائبه. فالأمر لا يمكن أن يمر كذلك، لا حسب الوثيقة الدستورية، ولا حسب أعراف الحركة الوطنية الفلسطينية، ولا بمعيار الإرث الكفاحي أو نبض قلوب الوطنيين. الحديث الواجب هو كيف نذهب إلى إيجاد معطيات داخلية جديدة، فالمهم الآن هو الإجابة عن أسئلة أهم: ماذا يرث الوريث؟ وعمّن ينوب النائب؟ وكيف يصبح الدور السياسي مقدراً لا مذموماً؟ وكيف يعاد لمنتسبي الحركة الوطنية الفلسطينية حقهم في إقرار سياسات حركتهم وكيانهم، وفي قيادة تتمثل روحهم؟