أقر مجلس النواب اللبناني أمس الإثنين قانون المفقودين والمخفيين قسراً بعد سنوات طويلة من الانتظار، بعد استمرار مطالبات لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين في لبنان بمعرفة مصير أبنائهم على مدى 36 عاماً.
ونص القانون على إنشاء الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً، وكرس حق أفراد الأسر والمقربين في معرفة مصير ذويهم المفقودين أو المخفيين قسراً وأمكنة وجودهم أو مكان احتجازهم أو اختطافهم، وفي معرفة مكان وجود الرفات واستلامه. كما أقر بحق المفقودين وأفراد أسرهم بالتعويضات المعنوية والمادية. وفرض على كل شخص يملك أي معلومة تتعلق بالمفقودين أن يدلي بها تحت طائلة المعاقبة. لكن المادة 37 أثارت جدلاً إذ نصت على أن يعاقب بالأشغال الشاقة من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة، وبالغرامة من 15 مليون وحتى 20 مليون ليرة لبنانية كل من أقدم بصفته محرضاً أو فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً في جرم الإخفاء القسري.
الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً
وعبّرت رئيسة لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين في لبنان، وداد حلواني، في حديث لـ"العربي الجديد" عن الفرح والتأثر بالإنجاز، وقالت: "حققنا هذه الخطوة الجميلة، أستحضر كل الأمهات والآباء الذين توفوا بحرقة أبنائهم، فلهم الفضل في هذا الإنجاز. الجهود قامت على أكتاف نساء لأن غالبية المفقودين هم من الرجال. بفضل المثابرة تقدمنا رغم كل العراقيل. ونحن بانتظار صدور مرسوم تطبيقي لتشكيل الهيئة، ما يتطلب تشكيل الحكومة، ونضالنا مستمر من أجل تشكيل الهيئة".
وأضافت حلواني: "لن نحاسب على الماضي، نحاسب على الحاضر ومن لديه معلومات يخفيها أو من ينشر معلومات مضللة. فليست مهمة أهالي المفقودين المحاسبة إنما هي مهمة المجتمع". وروت حلواني مأساة إحدى الأمهات التي لا تخرج من منزلها إلى الآن بانتظار أن يعود ابنها.
واعتبرت أن تخوف اللجنة من عدم إقرار القانون كان مشروعاً، "فمنذ 36 عاماً ونحن نطالب بحق المعرفة. تخوفنا من أن يخضع القانون للتجاذبات السياسية الموجودة في البلد. أما إقراره فهو خطوة أساسية للوصول إلى حق المعرفة. وهذا الملف الوحيد المتبقي من الحرب، كان من المعيب ألا يقر بعد 28 سنةً من السلام".
القانون يحفظ حق المعرفة
وقال المحامي نزار صاغية، المدير التنفيذي للمفكرة القانونية، والذي أعد نص القانون المقدم من قبل لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين في لبنان ولجنة دعم المنفيين اللبنانيين، أن هذا القانون "منعطف مهم في الحياة السياسية اللبنانية كون الحرب انتهت بقانون عفو غير مشروط دون الالتفات للضحايا ولا الانتباه لوجوب معالجة مشكلتهم. وبالتالي هذا أول قانون يعطي هذه الأهمية لهؤلاء الضحايا ويعترف بوجوب حل مشكلتهم".
وأوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه "لا يمكن الطلب من الناس شطب الماضي والانتقال نحو المستقبل دون منحهم حقهم الأساسي وهو الحق بالمعرفة. هذا القانون مبني على حق المعرفة بمعزل عن المحاسبة الجزائية، وهو ما يعرف بالعدالة الترميمية أي الحد الأدنى من العدالة".
عن استقلالية اللجنة وقدرتها على تنفيذ مهامها، قال صاغية: "أعطينا حصانات قدر المستطاع لأعضاء الهيئة. اعتمد المشروع الأساسي طريقة تعيين أخرى، فطرأ تعديل في اللجان أقر بتعيين الأعضاء في مجلس الوزراء بناءً على لوائح تصل من فئات متعددة. الأمر الإيجابي أننا حاولنا توزيع التسمية على عدة فئات كي لا تضبط الأمور بشكل كبير جداً في مكان واحد. من المؤكد وكأي موضوع أن الاستقلالية تقوى لدى متابعة الأمر من قبل شخص اجتماعي. سنسعى أن نؤمن الحضن لكامل العمل الحقوقي والاجتماعي وللنقاش العام ولتواجد الأهالي. وسيعين ممثل عن الأهالي في اللجنة وهو ما سيمنحها مصداقية ويسمح للأهالي بالضغط من الداخل".
وتعليقاً على مخاوف بعضهن، علّق صاغية: "المادة 37 لم تكن مطلب الأهالي، ولم تكن في أساس القانون ولا في جوهره. وحتى لو لم تضف، فهي موجودة في القانون العادي. فجرم الاختطاف والاحتجاز لا ينتهي إلا بمعرفة مصير الضحية. فإذا ثبت أن الاحتجاز أو الاختطاف انتهى بموت الشخص قبل العفو يستفيد المرتكب من العفو، وكانت هناك اجتهادات عدة من المحاكم في هذا الموضوع. هذا القانون سارٍ والمادة 37 رفعت العقوبة فحسب".
المعركة القادمة...معركة تنفيذ القانون
واعتبر صاغية أن المعركة مستمرة ولم تنته بالأمس، مشيراً إلى أنها بدأت بالخطاب العام والاعتصامات وإصرار الأهالي، وانتقلت إلى القضاء بعد أن خاضوا قضايا مهمة. وتابع: "في عام 2014 صدر قرار مجلس شورى الدولة الذي كرس حق المعرفة، بعد أسبوعين تم تقديم مشروع القانون وكان قرار مجلس شورى الدولة من الأسباب الموجبة لصدور هذا القرار. المعركة القادمة هي معركة تنفيذ هذا القانون". ولفت صاغية إلى أن "هناك سباقاً مع الزمن في هذا الموضوع، فالكثير من الأهالي يموتون للأسف، أو يصبحون غير قادرين على المتابعة، وفي بعض الأحيان عينات الحمض النووي تتلف". وأثنى على "العمل الرائع الذي قام به الصليب الأحمر الدولي في السنوات الأخيرة" من أجل التجهيز لتنفيذ القانون.
وأضاف صاغية: "أتمنى أن تكون إرادات تنفيذ القانون أكبر من إرادات تعطيله. الأكيد أن المعركة اليوم هي تنفيذ القانون بحسن نية لأن هناك فرقاء يريدون تنفيذه بسوء نية، التنفيذ يحتاج للمراقبة والمثابرة وحضور الأهالي والإعلام، فالقضاء وحده لا قدرة له على فتح المقابر وإجراء فحوص الحمض النووي وغيرها. اليوم هناك نجاح كبير حققه الأهالي، لكن المعركة تنتهي عندما يعرف الأهالي أو الغالبية العظمى منهم مصير أبنائهم".
القانون يشمل المختفين قسراً في سورية أيضاً
وقال النائب السابق غسان مخيبر، والذي تابع اقتراح القانون لسنوات لـ "العربي الجديد"، "إن تطبيق القانون الآن يعني تعيين الهيئة، وهو الهدف الحقيقي للقانون. وبعد تشكيلها ستتولى كل المهام الموكلة إليها. المطلوب الآن تعيينها ومنحها الإمكانات المالية لتنفيذ عملها. التكلفة المادية لعملها زهيدة جداً ونتائجها كبيرة".
وأكد مخيبر أن تسمية المرشحين لعضويتها تتم من قبل هيئات متعددة دون تدخل الأحزاب ليختار مجلس الوزراء ثلث هذه الأسماء، وفق آلية تشبه تلك المستخدمة في تعيين أعضاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان. رغم ذلك يعترف مخيبر أن الهيئة أمام تحديات كبيرة.
وشدد مخيبر: "المطلوب من المسؤولين إقفال ملف الحقوق، وأن يساهموا بحل. القانون لا يشمل المفقودين في الحرب فحسب إنما أيضاً ضحايا الإخفاء القسري في سورية". وقال: "أمام الهيئة تحديات هائلة، عليها أن تقوم بدورها بكل فعالية وهو ما يتطلب منها جرأة وحكمة، لأنها تتعامل مع تاريخ قريب شاركت فيه كل الطوائف وكلها لديها جثث مخبأة في خزائنها. هذا القانون يحقق شعار حملة طويلة قام بها الأهالي كان عنوانها: تنذكر ت ما تنعاد. فلا يمكن تسكير ملف الحرب حتى كشف مصير ضحايا الإخفاء القسري المجهولين. وهذه الوسيلة الصحيحة للسلم الأهلي". وعن المواد المتعلقة بالتعويضات رأى أن "على الدولة أن تتحمل مسؤولية الجرائم التي ارتكبت ومسألة التعويضات تحتاج لوقت ولتشريع خاص". وختم مخيبر: "حان الوقت لتتحمل الدولة مسؤولياتها وألا يلقى الحل على الأهالي والجمعيات".
من جهتها، أكدت النائبة في كتلة المستقبل، رلى الطبش، في اتصال مع "العربي الجديد" أن "القانون أقر لينفذ بكافة بنوده"، مشيرة إلى أن تيار المستقبل سبق وتحفظ على طريقة تشكيل الهيئة، وطلب أن تكون من ضمن الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان كي لا ينتظر تنفيذ القانون لتشكيلها، لكنه عاد ووافق عليها كي لا يؤخر إقرار القانون.
وأكدت الطبش استقلالية الهيئة قائلة: "هذا المجلس مختلف عن سابقه، وقد أقر القانون بعد 20 عاماً من العمل عليه، القانون سينفذ وسنقوم بمهامنا بمتابعته والرقابة على تنفيذه. نريد أن نعيد الثقة إلى المجلس. إقرار القوانين يدل على إيجابية وتعاطٍ مختلف من قبل المجلس الجديد".