لم تَعُد مائدة الإفطار في إسطنبول تجمعُ العائلة داخل المنزل فقط. كما لم تعد موائد الإفطار الجماعية في الساحات العامة أو حول المساجد محصورة بالفقراء، بل أصبح الإفطار الجماعي خارج المنزل، وفي الحدائق والساحات العامة المحيطة بالمساجد، أمراً شائعاً بدأت البلديات تنظيمه قبل سنوات.
أقامت جميع بلديات إسطنبول الكبيرة خيماً رمضانية طوال الشهر. لكن هناك أماكن رئيسية تجمع الصائمون فيها، أهمّها ساحة مسجد السلطان أحمد (المسجد الأزرق) في منطقة الفاتح، بالإضافة إلى الحدائق المنتشرة على ضفاف الخليج أو القرن الذهبي وقرب مسجد الصحابي أبو أيوب الأنصاري، الذي كان أوّل مسجد بناه السلطان محمد فاتح إثر فتحه المدينة.
في السياق، تقول سلمى لـ "العربي الجديد"، وقد كانت تستعدّ لوضع بساط في إحدى الحدائق المحيطة بالخليج: "أعدّ الطعام في المنزل. آتي مع زوجي وأطفالي إلى هنا قبل الإفطار. وما إن ننهي إفطارنا، حتى نتوجه إلى مسجد أبو أيوب الأنصاري لنقيم صلاة المغرب، ثم صلاة العشاء وصلاة التراويح". تضيف: "نعود إلى المنزل عند منتصف الليل تقريباً. هنا أشعر بلذة رمضان".
في الساحات المحيطة بمسجد السلطان أحمد، طاولات وكراس كثيرة. تُوزّع البلديّة الوجبات، فيما يلجأ آخرون إلى شرائها من المحال القريبة. في السياق، يقول محمد لـ "العربي الجديد"، بينما كان ينتظر حلول موعد الإفطار: "قبل وقت قليل من آذان المغرب، أشعر بالضجر. أحاولُ أن أشغل نفسي ببعض التفاصيل حتى أنسى حاجتي إلى شرب المياه. اليوم جئنا إلى السلطان أحمد، فالمكان هنا رائع".
بدأت بلدية "الفاتح" تُقيم الإفطارات الجماعية في الشارع عام 2005، وخصوصاً أنه يقطن هذه المنطقة غالبية متدينة. مع الوقت، صارت بلديات إسطنبول تتنافس في ما بينها على تنظيم الإفطارات الجماعية. ففي المنطقة التي يقع فيها مسجد السلطان أحمد، يشارك 12 ألف شخص يومياً في مآدب الإفطار، وقد أحيت المنطقة طقس "ضرب المدفع" في ساحة السلطان أحمد.
لا يقتصر مرتادو الخيم الرمضانية التي تقيمها البلديات على الفقراء والمحتاجين فقط، بل يشارك أيضاً ذوو الدخل المتوسط، ما دفع بلدية أوسكودار في القسم الأسيوي لإسطنبول، إلى تقديم وجبات إفطار وسحور يومية لأكثر من 30 ألف شخص، أي نحو مليون وجبة خلال شهر رمضان كله.
أصبحت برامج الإفطار التي تقدمّها البلديات جزءاً لا يتجزأ من برامج جذب السياحة الداخلية في المدينة والترويج لها، وبدأت البلديات تتفنّن في طريقة تقديم خدمة الإفطار في الشارع. على سبيل المثال، تُقيم بلدية أيوب، التي تضم مسجداً وقبر الصحابي أبو أيوب الأنصاري، برنامجاً رمضانياً يبدأ بحفلات الموسيقى الصوفية، ثم الخطب الدينية وغيرها. بعدها، توضع الطاولات ويبدأ الصائمون الإفطار. ثم تتحول الساحة إلى ما يشبه مسجداً في الهواء الطلق، ملحقاً بمسجد أبو أيوب الأنصاري، حين يبدأ الناس إقامة صلاة التراويح.
وبلَغت خدمات الإفطار في الشارع ذروتها عندما أعلنت بلدية إسنلر توزيع الحساء مجاناً على الصائمين حول محطة المترو المزدحمة في المنطقة. ولم تعد الإفطارات الجماعية في الشوارع تقتصر على المناطق المتدينة والمحافظة في إسطنبول. حتى المناطق التي تسكنها غالبية علمانية، بدأت تقديم هذه الخدمة. على سبيل المثال، تقيم بلدية بيشيكتاش خيماً رمضانية في أكثر من ساحة، وتقدم وجبات الإفطار، وهذا ما فعلته بلدية شيشلي هذا العام أيضاً، وأقامت خيمة رمضانية قرب مسجد شيشلي الأثري.
من جهة أخرى، وبعد احتجاجات حديقة غيزي في يونيو/حزيران عام 2013، وفي محاولة الطبقة العلمانية التقرب من المتدينين، نظم في قلب مدينة إسطنبول العلمانية، أي في منطقة بايوغلو التي تضم شارع الاستقلال وساحة تقسيم وغيرها، وللسنة الثالثة على التوالي، إفطار جماعي.
على الأرض
دعت منظمة "مسلمون ضد الرأسمالية" وهي إحدى المنظمات الإسلامية المعارضة لسياسات حزب "العدالة والتنمية" في تركيا، إلى إفطار جماعي في اليوم الأول من رمضان في شارع الاستقلال، شارك فيه نحو ألف شخص. بدأت التحضيرات للإفطار الذي أطلق عليه "إفطار على الأرض"، قبل نحو 45 دقيقة من أذان المغرب.
اقرأ أيضاً: رمضان اللاجئين في تركيا... وأمل العودة للوطن
اقرأ أيضاً: رمضان اللاجئين في تركيا... وأمل العودة للوطن