لا تزال معضلة مخيم كاليه للاجئين في فرنسا مفتوحة. وعلى الرغم من كثرة التصريحات الحكومية الفرنسية التي تتناول الموضوع وتؤكد على قرار إغلاق وإزالة هذا المخيم، إلا أن الوضع لا يزال على حاله، بانتظار توقيت تعتبره الحكومة الفرنسية مناسباً.
يحلو لوزيرة السكن الفرنسية، إيمانويل كوس، أن تتحدث عن هؤلاء "المساكين" من المهاجرين واللاجئين، الذين لا يجب أن يقضوا ولو يوماً واحداً إضافياً من شتاء 2016 في هذا المخيم البارد جداً. وقد جاءت تصريحاتها الأخيرة، يوم السبت الماضي، بعدما عبّرت منظمة "الإغاثة المسيحية"، التي تعمل مع المهاجرين في المخيم، عن رفضها لما سمّته قيام السلطات الفرنسية بـ"عملية أمنية" لإزالته. وهو ما استتبع لجوء إحدى عشرة منظمة إنسانية وحقوقية، حاضرة في كاليه، إلى المحكمة الإدارية في مدينة ليل بشمال فرنسا، لتأجيل عملية الإخلاء، التي أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، فرانسوا هولاند، عنها في نهاية شهر أغسطس/آب 2016.
تستدرك الوزيرة الفرنسية، الآتية من حزب الخضر قبل أن تنشق عنه، بأن العملية هي محض إنسانية. وأنها لن تتمّ قبل استيفاء جميع الشروط لإنجاحها. وتؤكد أنه "ليس من الوارد أن ندع هؤلاء الأشخاص في الوحل وفي حالة العسر الشديد". وأضافت أنها، وبمعية وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف، استطاعا، في وقت قياسي، "فتح عدد كبير من مراكز الإيواء والتوجيه في عموم فرنسا".
كما رفضت كوس القراءات السياسية التي ترى في هذا الإخلاء "مطاردة للاجئين"، مضيفة أن أهم المنظمات التي تشاورت معها وزارة السكن الفرنسية، عبّرت عن دعمها لهذه العملية. وهو ما أكدته، قبل أيام، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
ويبدو أن المسؤولين في الحكومة الفرنسية متفائلون بحلّ هذه القضية الشائكة، لا سيما في هذا الظرف الانتخابي ومع بدء الحملات من أجل خوض الانتخابات الرئاسية في ربيع عام 2017. هذا التفاؤل الفرنسي يتعلق أيضاً بإمكانية إيجاد حل سريع لخلاف فرنسي-بريطاني بشأن استقبال لندن لبعض المهاجرين. لكن لم يتم بعد تحديد جدول زمني بشكل نهائي، لإزالة مخيم كاليه، حتى وإن كان القرار نهائياً. وهو ما قد يستغرق، كما أكد مسؤول في الإغاثة المسيحية، بضعة أيام، بل بضعة أسابيع، بحسب قوله.
ومن بين الأسباب التي تساهم بتأجيل عملية البدء في الإخلاء، انتظار قرار المحكمة الإدارية. يذكر أن إخلاء المخيم لا يعني، بأية حال، انتهاء تدفق المهاجرين الراغبين في التوجه إلى بريطانيا إلى المنطقة، لا سيما أن المنطقة لا تزال تضمّ مخيمات أخرى وإن كانت أقل أهمية، ومن بينها معسكر نورونت-فونتيس، الذي رفض القضاء الفرنسي، أخيراً، إخلاءَه لـ"دواع إنسانية". ويضاف إليه مخيم غراند-سانت، الذي يستقبل نحو 800 مهاجر ولاجئ، والذي شددت السلطات الحصار عليه منعاً لوصول مهاجرين جدد.
يشار إلى أنه قبل البدء بتفكيك "غابة كاليه"، وهي عملية وصفها مسؤول أمني فرنسي بأنها الأكبر في التاريخ الفرنسي الحديث، كشفت وزارة الداخلية الفرنسية عن أن بريطانيا قبلت، ابتداءً من يوم الاثنين 17 أكتوبر/تشرين الأول، استقبال 20 مهاجراً قاصراً، يوجد بعض أفراد عائلاتهم في الضفة البريطانية من بحر المانش. وهي مجموعة أولى ستتبعها مجموعات أخرى خلال هذا الأسبوع، وإن كانت بريطانيا، التي أرسلت موظفين تابعين لها إلى كاليه، غير مستعدة لاستقبال كثيف لهؤلاء القاصرين، على الرغم من النداء الفرنسي من أجل تحمل البريطانيين لـ"واجبهم الأخلاقي".
في غضون ذلك، تعرض، مساء الاثنين، مركز جديد، سيفتح أبوابه في الشهر المقبل، من أجل استقبال مشردي العاصمة الفرنسية لحريق ناجم عن اعتداء إجرامي، تمت السيطرة عليه، بسرعة. والجدير بالذكر أن هذا المركز يوجد في الدائرة الإدارية السادسة عشرة في باريس، أي الدائرة التي يقطنها أثرياء وميسورون، وهو ما جعل كثيرين من ممثلي هذه الدائرة في السلطة المحلية والتشريعية، من بينهم عمدة المنطقة ونائب برلماني، وأغلبيتهم من اليمين، يرفضون تشييد هذا المركز في منطقتهم. لكن رئيسة بلدية باريس، آن هيدالغو، مصرة على المضيّ في فتحه.