لا أحد يعلم ما هي الأدلة التي حصل عليها المحققون الفرنسيون، أخيراً، والتي دعت القضاة إلى أن يوجّهوا إلى الرئيس الأسبق، نيكولا ساركوزي، تهم "الفساد السلبي" و"التمويل غير القانوني لحملة انتخابية"، ثم "إخفاء أموال عامة ليبية"، ومن ثم وضعه تحت المراقبة القضائية.
ويتعلق الأمر بحدث قضائي غير مسبوق في الجمهورية الخامسة، وهو ما يعني حسب لائحة الاتهامات أن قضاة التحقيق بحوزتهم دلائل بالغة الخطورة حول هذه الاتهامات. ومن أخطر الاتهامات اتهام رئيس جمهورية فرنسي بكونه مأجوراً لدى نظام أجنبي ديكتاتوري، هو نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي.
وبقي ساركوزي خلال أكثر من الـ24 ساعة الماضية يتحدث أمام المحققين عن أكاذيب وافتراءات لفّقتها عائلة الرئيس المقتول القذافي، وأيضاً الوسيط رجل الأعمال الفرنسي اللبناني زياد تقي الدين.
وأصرّ ساركوزي على أن لا دليل ماديا يؤكد الاتهامات التي أطلقها القذافي، والتي أعلن فيها، علانية، مساعدة المرشح ساركوزي، بالأموال، في حملته الانتخابية.
وكشفت صحيفة "لوفيغارو" أن الرئيس الفرنسي الأسبق بذل مجهوداً كبيراً لإقناع القضاة بوضعه تحت وضعية الشاهد المدعى عليه، من دون جدوى. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الوضعية، لا توجد سوى في القانون الفرنسي، وهي وضعية ما بين الشاهد العادي وبين من وُجِّه إليه الاتهام.
واعترف الرئيس الأسبق أمام القضاة بخطورة الاتهامات والشكوك التي تحوم حوله، لكنه أكد أيضاً أنه "لم يتوقف يوماً عن الصدع بكل طاقته، ببراءته"، وطالبهم بـ"تقدير عمق وخطورة وعنف الظلم الذي يستهدفه".
وفي قراءة سياسية للانعكاس المباشر لاتهامات القذافي وأعوانه، قال ساركوزي للقضاة، إنه "دفع ثمنَ هذه الاتهامات غالياً، فقد خسر الانتخابات الرئاسية سنة 2012، بفارق واحد ونصف في المائة، وأنه يعيش جحيم الافتراء".
وتساءل ساركوزي، وهو يذكّر بدوره كرئيس للتحالف الذي أسقط نظام القذافي، أمام القضاة: "صدِّقوني، لو كنتُ ضالعاً في ما أُتَّهَمُ به، هل كنتُ سأكون غبياً ومجنوناً في مهاجمة من قام بتمويلي؟".
يبقى أن نضيف أنها ليست المرة الأولى التي يواجه فيها الرئيس الفرنسي الأسبق قضاة ماليين. فقد سبق أن أُحيل ساركوزي في قضية ما يعرف بـ"بيغماليون" إلى محكمة الجنح بتهمة تمويل غير قانوني لحملته الانتخابية، كما وُجهت إليه تُهَم الرشوة والمتاجرة بالنفوذ والتستر على الإخلال بالسريّة المهنية في ملف "بول بيسموث".
وتجدر الإشارة إلى أن وضع نيكولا ساركوزي تحت المراقبة القضائية، لا يزال غامض المَلامح، كما لا تزال غير معروفة الجولة المقبلة من المحاكمة.
وفيما يخص الطبقة السياسية الفرنسية فقد التزمت، في عمومها الصمت، موثرة الاحتكام إلى القضاء واستقلاليته، باستثناء بعض أصوات اليسار المتطرف وغير الاشتراكي التي رحبت، أخيراً، بقرب معرفة الحقيقة. بينما لمحت سيغولين روايال، مرشحة اليسار التي خسرت رئاسيات 2007، والتي فاز بها ساركوزي، إلى دور المال الليبي في فوز منافسها اليميني، على اعتبار أن "التنافس بين المرشحين لم يكن متكافئاً".
أما اليمين، وعلى رأسه رئيس "الجمهوريون" لوران فوكييز، فقد عبَّر عن "التضامن والتعاطف مع قائده الأسبق وأكثر الزعامات تأثيراً، لحد اليوم". ولم يخرج من الجوقة، سوى القيادي إيريك سيوتي، الذي اتهم القاضي، الذي يتابع الملف، بعدم حياديته وبرغبته المعلنة في توريط نيكولا ساركوزي.