على وقع ثورتين تعيش المبادلات الاقتصادية بين تونس وليبيا منذ أكثر من ثلاثة سنوات. ورغم التحسن الطفيف الذي سجلته المبادلات التجارية التونسية عموماً خلال الربع الأول من العام وبنسبة 5.1%، إلا أن هذا التحسن لم يشمل المبادلات التجارية مع ليبيا، حيث استقر حجم التبادل معها في حدود 248.2 مليون دينار (125 مليون دولار) حسب أرقام المعهد الوطني للإحصاء في تونس.
وتشهد العلاقات الاقتصادية بين تونس وليبيا صعوبات كثيرة بسبب التوتر الأمني على الحدود،
وهو ما يضطر الحكومتين إلى إغلاق المعابر الحدودية البرية تجنباً للاصطدامات أو تسلل الارهابيين.
ويشكو رجال الأعمال التونسيون من تراجع حجم المبادلات التجارية مع ليبيا وأيضاً من تحويل رجال أعمال ليبيين وجهتهم إلى دول أخرى، بسبب قرار السلطات التونسية إعادة غلق مجالها الجويّ أمام الطائرات القادمة من ليبيا.
ويقول رئيس كونفدرالية مؤسسات المواطنة التونسية (منظمة أعمال)، طارق الشريف، إن امكانيات التعاون الاقتصادي بين تونس وليبيا لا حدود لها، وأن تونس مدعوة لدعم مكانتها الاقتصادية في ليبيا بالمجازفة في التنقل إلى الجارة الجنوبية بحثاً عن صفقات تجارية جديدة.
ويشير الشريف في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن تونس مهددة بخسارة موقعها كشريك اقتصادي له مكانته في ليبيا، معتبراً أنّ قرار غلق المجال الجوي أمام الطائرات الليبية له كلفة باهظة على مستثمري البلدين.
ويرى الشريف أن توتر الوضع الأمني في ليبيا لم يمنع العديد من البلدان من التوجه إلى السوق الليبية للاستثمار، داعياً إلى ضرورة الإسراع بفتح المجال الجوي بين البلدين حتى لا تخسر تونس موقعها في السوق الليبية.
اقرأ أيضاً: تونس: قانون جديد لمحاصرة الأسعار
ووفق معطيات رسمية يقدرحجم المبادلات التجارية بين البلدين سنوياً بحوالى 1.4 مليار دينار (أكثر من نصف مليار دولار)، وتستحوذ الصادرات التونسية على النصيب الأكبر من حجم المبادلات حيث تمثل 4.5% من صادراتها. وتمتص ليبيا 7% من الصادرات التونسية.
مخاطر المعابر البرية
يقول رئيس الغرفة التجارية التونسية الليبية علي الذوادي إن تواصل غلق المجال الجوي بين
البلدين سيزيد من تدهور العلاقات الاقتصادية البينية، مشيراً إلى أن رجال الأعمال اللّيبيين حوّلوا استثماراهم من تونس لبلدان أخرى مثل تركيا وإيطاليا بحثاً عن امتيازات استثمارية أفضل.
ولفت الذوادي في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أهمية إعادة فتح المجال الجوي في تطوير
التبادل التجاري بين البلدين قائلاً إن "رجال الأعمال يخشون المخاطرة للتنقل عبر الحدود البرية وسط تصاعد الاشتباكات المسلحة في ليبيا إضافة إلى طول المسافة وبطء الإجراءات الجمركية بين البلدين".
وأشار إلى أنّ هناك معاناة كبيرة يعيشها الليبيون المتوافدون برّاً باتجاه تونس عبر معبر راس
جدير، وكذلك معبر الذهيبة في الجنوب، مفيداً بأن طول طوابير السيارات المتوقفة أمام المعابر البرية يصل إلى العشرات من الكيلومترات.
ويندرج التبادل التجاري بين تونس وليبيا في إطار اتفاقية منطقة التبادل الحر الموقعة بين البلدين فى عام 2001 والتي دخلت حيز التنفيذ في 2002، وتمنح هذه الاتفاقية العديد من الامتيازات للمستثمرين والموردين والمصدرين من البلدين.
كما يرتبط البلدان باتفاقية تسيير وتنمية المبادلات التجارية بين الدول العربية والبرنامج التنفيذي لإرساء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والتي تنص على تحرير كافة السلع العربية المتبادلة بين الدول العربية وفقا لمبدأ التحرير التدريجي الذي بدأ تطبيقه منذ بداية سنة 1988.
التهريب.. الصداع الدائم
مقابل تراجع المبادلات التجارية المنظمة، تشهد تجارة التهريب منذ اندلاع الثورتين في تونس وليبيا نشاطاً غير مسبوق وهو ما جعل معضلة التهريب بمثابة الصداع الدائم للحكومة التونسية.
وبحسب تقرير نشره البنك الدولي فإن الاقتصاد التونسي يتكبد سنوياً خسائر بقيمة 500 مليون دولار بسبب التجارة غير الرسمية أو تهريب السلع مع الجارتين ليبيا والجزائر.
وذكر البنك أن التهريب والتجارة غير الرسمية يمثلان أكثر من نصف المبادلات التجارية مع
ليبيا، وأن 328 ألف طن من السلع المهربة تمر سنوياً عبر رأس الجدير في بن قردان الحدودية مع ليبيا.
وتشمل عمليات التهريب، حسب مصادر الجمارك التونسية، كل أنواع السلع والبضائع الغذائية والمحروقات والمواد الكيميائية الخاصة بالزراعية وتهريب الأسلحة والمخدرات والخمور.
ويمثل التهريب حلاً مؤقتاً لعدد كبير من العائلات في الجنوب التونسي التي تعيش على الاقتصاد الموازي، غير أنها تلحق أضراراً فادحة باقتصاد البلدين وخاصة بالنسبة لتونس، إذ أنها غالباً ما تؤدي إلى اختلال توازن السوق التونسية المحلية.
وتبدو عملية التصدي لهذه الظاهرة بالطرق الأمنية ذات نجاعة محدودة خاصة أمام إصرار المهربين على مواصلة نشاطهم كنتيجة لانسداد أبواب الرزق والعمل أمامهم.
اقرأ أيضاً: "البزنس" يجبر تونس على فتح حدودها مع ليبيا