إعلام مقامر

01 يونيو 2015
+ الخط -
الحرب مع تنظيم داعش قبل أن تكون حربا وقائعها تجري على الأرض هي حرب إعلامية، ولعلنا لا نحيد عن الصواب، عندما نقول إن التنظيم مازال ممسكاً بزمام المبادرة بين يديه في هذه الحرب، سواء في الإعلام أو المعارك التي تجري على الأرض، فالتفوق الإعلامي والفني، من حيث الحرفية في بناء الصورة، أعلى لديه مما لدى اعدائه بالشكل الذي تجعلها قادرة على إيصال رسالة التنظيم في تحقيق الإرهاب النفسي لدى أعدائه.

وساحة المعارك مازالت هي الأخرى خاضعة لتحركاته ومبادراته التي تستلهم فلسفتها من حرب العصابات القائمة، في جوهرها، على سرعة الهجوم والانسحاب بأكثر من اتجاه بقصد إنهاك الطرف المقابل.

وحتى هذه اللحظة، لا توجد في الأفق سوى أمنيات عربية بتحقيق نصر حقيقي ضد داعش، تحدُّ من تمدده وزحفه على البلدات والمدن، سواء في العراق أو سورية أو ليبيا. لذا، شعرتُ شخصياً، للوهلة الأولى، بشيء من الراحة، عندما اطلعت على خبر مصوَّر، في 27 مايو/أيار الماضي، كانت قد بثته قناة الميادين، يفيد بالقبض على عشرات من عناصر تنظيم داعش عند أطراف مدينة الرمادي من عناصر ميليشيا حزب الله العراقي، المدعومة من إيران، على الرغم من أنني كنت في حيرة من أمري ما بين أنْ أصدِّق أو اكذِّب الخبر، إلاّ أنني، وبعد أن اطّلعت على الفيديو أكثر من مرة، خَرجتُ بالملاحظات الآتية:

كل المعتقلين لا يرتدون زي داعش (الأفغاني)، ومعلوم لدى المتابعين أن هذا الزي يتوجب أن يرتديه جميع عناصر التنظيم طائعين.

كل المعتقلين كانوا بلا لحى من دون استثناء، بينما اللحية شرط أساسي لعناصر التنظيم، ويعاقب بالجلد كل مَن لا يطلقها.

كلهم يرتدون ملابس هي أقرب ما تكون إلى ملابس يرتديها عامة الناس (تراكسوتا رياضيا أو دشداشة عراقية).

لم يكن في شريط الفيديو أي لقاء، ولو ثوانٍ معدودة، مع واحد من المُعتقَلين، لكي يكتسب الخبر مصداقيته؟

وهنا، أتوقف قليلاً، محاولا الوصول إلى مبررات منطقية، قد تصل بي إلى حالة اقتناع بما أقدمت عليه قناة الميادين، عندما عرضت الخبر، على الرغم مما يحمله من ضعف في تفاصيله، تنزع عنه خاصية الخبر المكتمل المصداقية، ويحق لنا بعد هذا أن نتساءل: 
هل كانت القناة متسرعة في عملية بثه؟ هل كانت مقتنعة به على الرغم من ضعف مصداقيته؟ هل تأتي عملية عرض الفيلم باعتبارها جزءاً من عملية التحشيد الإعلامي ضد داعش، حتى لو كان غير مُقنع للمتلقي؟ 

ربما كان القصد من عرضه المضي في خطة إعلامية مدروسة، تساوقا مع عملية التحشيد الطائفي ضد مدينة الفلوجة وأهلها، وليس ضد داعش فقط، كما بدا ذلك واضحاً، عبر حملة كبيرة شهدتها صفحات "فيسبوك"، سلاحها الواضح كان التعميم والشتائم والإساءة والتسقيط لكل من ينتمي للفلوجة والرمادي. وجاءت هذه الحملة بعد عملية الإعدام للجندي العراقي، مصطفى ناصر هاني الصبيحاوي، من تنظيم داعش، وفي مقدمة من كان يقودها، وللأسف الشديد، بعض المواقع الإلكترونية والكتاب والصحفيين العراقيين.

والملاحظ على هذه الحملة تجاهلها شبه التام مسؤولية داعش عن عملية إعدام الجندي، وإلقاء مسؤولية الجريمة على أهل الفلوجة.

أيضا من كان يقف وراء هذه الحملة لم يراع ما يمكن أن يتمخض عنها من نتائج سيئة، تذهب في الاتجاه الذي يترك جروحاً عميقة في جسد الانتماء الوطني، لتقطع بذلك آخر آملٍ في إمكانية الوقوف معا في خندق واحد ضد الإرهاب الداعشي.

إزاء هذا الحال، نخشى أنْ تكون ثقافتنا قد سقطت في امتحان دروس الوطنية والدين وحقوق الإنسان والجغرافيا والتاريخ التي وضع أسئلتها بخبث ودهاء تنظيم داعش. ونخشى أن لا يكون تسويق الصورة (الفوتو والفيديو) بحرفية عالية، درج عليها داعش في حربه الإعلامية قد جاء بالنتائج المرجوّة التي خطط لها، والتي أثبتت الوقائع والأحداث على أنه كثيراً ما يراهن عليها في تدمير إنسانيتنا. 

ونرجو أن لا نكون على موعد جديد مع سبايكر ثانية، رداً على الأولى، يكون ضحيتها أناس أبرياء مدنيون. وبذلك، يصبح الإعلام مقامراً بحياة الأبرياء، وشريكاً أساسياً في مسؤولية استمرار طاحونة الموت بدورتها المجنونة، لتحرق، بالتالي، الأخضر بسعر اليابس، كما يقول المثل الشعبي.
035BAE43-ADD9-46B2-80F0-6D37CF27487E
035BAE43-ADD9-46B2-80F0-6D37CF27487E
مروان ياسين الدليمي (العراق)
مروان ياسين الدليمي (العراق)