إعلام دول الشمال الأوروبي: روسيا تستهدف المدنيين في سورية

07 أكتوبر 2015
من القصف الروسي على جبل الزاوية في إدلب (الأناضول)
+ الخط -
عدا عن أن اسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرتبط في ذاكرة كثيرين من متلقي الخبر في وسائل إعلام غربية بكثير من التشكيك، وأكثر بما يطلقون عليه "عنجهية فارغة" فإن سلوك بوتين خلال عامين، وخصوصاً بعد أزمة أوكرانيا، بإرسال طائراته فوق سماوات بحر البلطيق والدول الإسكندنافية وحتى أقصى الغرب الأوروبي لم يكن بعيداً عن تقييم بدء القصف الروسي في سورية على الإطلاق.

فمنذ بدء التدخل الروسي في سورية في 30 سبتمبر/أيلول ذهب النقاش السياسي المنقول عبر تلفزة دول الشمال الأوروبي يسأل سؤالاً جوهرياً بالنسبة للشعوب: هل ستستقبل روسيا من ستنقلهم إلى خارج سورية؟

السؤال الذي عاد وتكرر مع الغارة الأولى يتعلق بتخوفات تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السوريين شمالاً، إذ منذ اللحظة الأولى لم تبقَ صحيفة ولا محطة تلفزيونية في أقصى الشمال الأوروبي لم تذهب إلى فحص دقيق للأهداف التي قصفتها طائرات بوتين.

وفي هذا المجال، يقول الصحافي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، ستي اندرسن، لـ"العربي الجديد": "هل ظن بوتين بأن لا أحد يعرف أين هي مواقع داعش سواه وبشار؟ هل يظن بأنه يخاطب مجموعة محيطة به حين يكذب منذ أكثر من 3 أعوام ثم يقول بكل وضوح: لقد أتيت لمساعدة السيد بشار بوجه شعبه".

أسئلة ستي وتعقيبه كان يتردد منذ يوم الثاني من أكتوبر/تشرين الأول في مواقع الصحف النرويجية حتى، والتي ذهبت إلى الاستعانة بصور وأفلام تظهر "حقيقة القصف الروسي" وفق ما عنونته في بحثها عن الرواية الأخرى المناقضة تماماً لرواية موسكو. فموقع "في غي"
النرويجي الواسع الانتشار قال "المدنيون هم ضحايا هذا القصف وقد علقوا تحت الركام". وذهب الموقع لعرض فيلم مصور مع خرائط ليكشف عن تلك المواقع التي استهدفتها طائرات روسية مبيناً أنها بعيدة عن مواقع داعش واستهدفت مدنيين.

وذهبت الصحف اليومية في تغطيتها إلى مقارنة "غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان والتورط في سورية"، ونشرت توقعات خبراء بأن "الروس سيكتشفون متأخرين حجم المأزق بتمسكهم بشخص منبوذ في سورية وكسب العداء من شعوب عربية". كما ركزت مع القنوات التلفزيونية على استضافة خبراء عسكريين من أكاديميات دفاعية لشرح العملية الروسية بعنوان "لن تهزم طائرات روسية تنظيم الدولة الإسلامية". وعرض التلفزيون الدنماركي أسماء المدن التي قصفت في حماة واللاذقية وقرب حمص وغيرها، مشيراً إلى أنّها "مناطق لا يوجد فيها تنظيم الدولة الإسلامية"، بحسب ما قاله لارس كرامر لارسن من الأكاديمية العسكرية، والذي أضاف: "أعلن الروس بأنهم آتون لمساعدة بشار الأسد، وهذا يعني بأنهم حتى لو قصفوا داعش فإن ذلك لمساعدته".

اقرأ أيضاً: قراءة أوروبية للتدخل الروسي: تعزيز "المتطرفين" ومفاقمة أزمة اللجوء

ولفهم طبيعة التحرك الروسي المساند لبشار الأسد في سورية، ذهبت القنوات التلفزيونية في دول الشمال إلى استعراض شرائط تبين بالضبط مناطق القصف وتعرض الضحايا كما وردها. وفي بعض التفاصيل الدقيقة عن مدن سورية، والتي بات كثير من المتابعين العاديين يعرفونها ويعرفون مناطق داعش، ذهبت إلى نقل قول الخبراء العسكريين "إن المناطق التي قصفها الروس هي تحت سيطرة الثوار المعارضين المعتدلين ومنهم جماعات تقبل بدولة مدنية".

ما تخشاه وسائل الإعلام الناقلة لتفاصيل القصف الروسي، "زاد من نظرة التشكك السابقة تجاه كل من بشار وإيران وروسيا في أوروبا" بحسب هؤلاء الخبراء، بأن التدخل الروسي "سيقوي من شوكة الدولة الإسلامية ويعزز التطرف. وروسيا لن تستطيع هزيمة داعش وسوف تفعل
فقط ما تظن بأنه سيعزز موقع الأسد، لكن ذلك سيعقد الأمر أكثر"، حسبما أكد للقناة الأولى في التلفزة الدنماركية كرامر لارسن.

وتناقلت القنوات في دول الشمال أيضاً التقارير التي تتحدث عن دفع إيران بمقاتليها نحو سورية "في محاولة لاستغلال الضربات الجوية من أجل إنقاذ مصالحها عبر بشار الأسد. لكن يبدو أن ذلك سيعود بمردود عكسي عليها في المنطقة العربية"، وفق ما ذكرته القناة الثانية في التلفزة الدنماركية ومثله فعل التلفزيون النرويجي.

لا يختفي النقد للسياسة الغربية والأميركية في تعاطي الصحافة ووسائل الإعلام مع مجريات التدخل الروسي في سورية، فذات القناة (التي تعتبر الرسمية في البلاد) تساءلت: "أين الغرب وأوباما وخطوطه الحمراء". وعلى عكس الصحافة الروسية التي وقفت شبه محرضة بالإجماع على التدخل للحفاظ على الرئيس السوري فإن الصحافة في دول الشمال تحذر من أن "دفع الثمن للحماقات الروسية سيكون أوروبياً. فالمزيد من اللاجئين والمزيد من التطرف". ولكنها صحافة، رغم اختلاف الظروف، تتوقع لروسيا "ورطة صعبة كما تورطت في أفغانستان إذا لم تعمل فوراً لإخراج بشار من المعادلة فلن يكفي الضرب من الجو وسيضطر الروس للدخول برياً وهو ما سيكسر عنق بوتين" بحسب ما قالت مراسلة التلفزة الدنماركية في روسيا ماتيلدا كيمر يوم 30 سبتمبر.

صحف اليسار التقليدي في بعض الدول الأوروبية وخصوصاً في الشمال الإسكندنافي من ناحية تؤيد "الربيع العربي" كما تفعل صحيفة "العامل" اليومية في كوبنهاغن، التي قالت "روسيا تتصرف وفق القانون الدولي". وفي الناحية الأخرى تشعر تلك الصحافة بالحنين إلى الزمن السوفياتي السابق، وتراهن على انتهاء القطبية الواحدة انطلاقاً من التدخل الروسي في سورية.
بينما ينتقد كتاب يساريون تلك التوجهات التي "تشير بشكل واضح إلى عدم الاهتمام الحقيقي بأرواح السوريين في سبيل تثبيت فكرة محددة عن معاداة الإمبريالية"، كما يقول الصحافي والكاتب هانس يورن في حديث مع "العربي الجديد" عن "مواصلة اليسار ذي النزعة السوفياتية بالاعتقاد بأن موسكو ما تزال مثلما عهدوها في الثمانينات وقبلها".

تتوقع وسائل إعلام عديدة في دول الشمال الأوروبي بأن القصف الروسي سيستمر ويتصاعد ولن يأبه كثيراً لمناشدات عدم استهداف المدن والقرى التي تسيطر عليها المعارضة "فكلام بوتين عن أنه على بشار الأسد أن يكون مستعداً لتسوية مع المعارضة هو مجرد كلام لحفظ خط رجعة لأنه يدرك تلك المغامرة الكبيرة" وفق ما أضافت المراسلة في موسكو.

الصور التي عرضتها الصحافة لأماكن القصف الروسي هي بالضبط ما نشره السوريون المعارضون، وهذا يعني أن أحداً لا يصدق الرواية الروسية عن الاستهدافات. ولا يغيب بالتأكيد عن التغطية التذكير دائماً بأن "روسيا لا تقصف وتتدخل كما تدعي لمساعدة الشعب السوري الذي نراه مهجراً ليس إلى شوارع روسيا بل إلى الغرب، وهي لا تقصف إلا في سبيل مصالحها التي يمكن أن تؤدي إلى تقسيم سورية لكانتون يُسمى سورية الصغيرة".

بعض الصحف ذكّرت بـ"التقاء مصالح روسيا وإسرائيل رغم اعتقاد البعض بأن روسيا صديقة للعرب والفلسطينيين لكن بوتين يعتبر الدفاع عن إسرائيل المحتلة لفلسطين أهم من كل العرب"، وفق ما ذكره موقع "القوة المعاكسة" اليساري.


اقرأ أيضاً: روسيا في سورية: انقسام إعلامي حول النتائج
المساهمون