إعلام العاطفة... والبلاد التي لا تشبهنا

04 اغسطس 2014
الصور هي ما نعرفه عن المعركة (جوزيف عيد/فرنس برس/GETTY)
+ الخط -
كلا، ليس طبيعياً أن تظهر سمر أبو خليل بملابس الجيش اللبناني العسكرية لتذيع نشرة الأخبار. كلا، ليس طبيعياً تخوين كل صحافي يطالب بحماية المدنيين في عرسال، وتحييدهم عن المعركة بين الجيش اللبناني ومقاتلي "داعش" في المدينة. وكلا، الخطاب الطائفي المبطّن الداعي إلى "دعس" المدينة البقاعية ليس طبيعياً هو أيضاً.

"هستيريا عشق الجيش" المرافقة لكل معركة للجيش اللبناني، خرجت عن طورها هذه المرة، وبات كل شيء مباحاً، في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وأي صوت يتجرأ على طرح علامات استفهام حول المعركة، أو حول فيديو قتل الأطفال السوريين في عرسال المنتشر على "يوتيوب"، هو متواطئ مع "داعش" أو مع "جبهة النصرة".

هو المشهد نفسه، يتكرّر بحرفيّته: في العام 2008 خلال معركة نهر البارد، في العام 2013 خلال معركة عبرا... "الجيش خط أحمر" يقولون. فعلاً، الجيش لما يمثلّه هو خط أحمر. هو ربما آخر المؤسسات التي تمثّل الدولة اللبنانية بوحدتها.

المهمّ، أن الهستيريا وصلت إلى درجة تطلّ فيها مذيعة مرتدية ملابس عسكرية، لتذيع نشرة الأخبار، في أكثر المظاهر غرابة. لا شيء أكثر إهانة للمؤسسة العسكرية من هذا المشهد، طبعاً باستثناء الأغاني التي تعرضها القنوات المحلية والإذاعات في كل مرة تشتد فيها المعارك.

ما يحصل على الحدود الشرقية للبنان، ربما أخطر مما نتصوره نحن حميعاً. نحن الذين تصلنا الأخبار التي يريدونها أن تصلنا. أصبح تصوير جثث "الداعشيين" عادياً جداً. صورهم تنتشر على مواقع التواصل، ومن مختلف الزوايا. نعرف ما نشاهد... لا نعرف أكثر من ذلك. كيف بدأت الأمور؟ كيف انتهت؟ كيف وصلنا إلى هنا؟ ماذا عن توقيت المواجهة؟ أصلاً كل هذه الأسئلة ممنوعة... التغطية الإعلامية لا تفسح المجال لتشغيل العقل، تشغيل العاطفة وحده مسموح: صور شهداء الجيش مع أطفالهم تنتشر، صور جثامينهم ترتفع ملفوفة بالعلم اللبناني.

على وقع موسيقى الموت... حزن كثير يلف الشاشات، عويل الأمهات والزوجات، وصور الأطفال الذين تحوّلوا فجأة إلى أيتام. تقترب الكاميرا منهم، من عيونهم، أصبحوا في ليلة واحد "أبناء شهداء" غصباً عنهم.

ووسط كل هذا الحزن والجنون وكل هذه الكآبة، تخرج علينا الظواهر الغريبة. يخرج علينا مثلاً علي بركات ـ الذي يصعب تصنيفه: فنان؟ منشد؟ محرّض طائفي؟ يخرج علينا بكارثة يصرُّ على تسميتها نشيداً، بعنوان "سيطر ع عرسال"، الذي يدعو فيه "حزبَ الله" للسيطرة على بلدة عرسال. تخرج علينا السفارة الأميركية بفيديو كليب تحية للجيش.

تخرج علينا هبة طوجي بأغنية أيضاً للجيش.  ويخرج علينا بعض (نقول بعض فقط) المراسلين بمعلومات تارة خاطئة، وتارة غريبة "مواجهات face to face بين الجيش والإرهابيين" على سبيل المثال لا الحصر.

يخرج علينا فيصل القاسم ناعياً لبنان "يجب على لبنان أن أن يحمد الله أنه نجح حتى الآن في البقاء خارج دائرة الجحيم من حوله، لكن للأسف سيدخلها بقوة من الآن فصاعداً".

وقبل كل شيء تخرج علينا كمية حقد طائفي، وكمية عنصرية غير قابلة للهضم على مواقع التواصل الاجتماعي: تهديد بقطع رؤوس "الروافض والنصارى"، تهديد بتحويل "كل لبنان إلى موصل ثانية"، وفي المقابل "تهديد بتحويل عرسال إلى صحراء خالية من البشر والحجر".

قريباً ستنتهي المعركة، وستنتهي معها الاستعراضات الإعلامية والفنية السخيفة. أما الآن، فسنغرق في موتنا الذي يحاصرنا في عرسال، وسوريا، وغزة، والموصل... نغرق حتى نلامس القاع... هذه البلاد لم تعد تشبهنا.
المساهمون