إعدام وحسبة خاطئة

05 يناير 2016
+ الخط -
كأنما هناك مباراة أخلاقية بين محورين في الإقليم، واحد تتصدّره إيران، والآخر تتقدم السعودية إلى طليعته. فما أن احتدم السجال، بعد أن شملت الإعدامات السعودية معارضاً وفقيهاً شيعياً، يراه الإيرانيون رمزاً؛ حتى استخدم الطرفان مفردات العدالة والحق الإنساني، بالصيغة التي صيغت في الإطار الحضاري للغرب، بينما زعيمتا المحورين ليستا مؤهلتين لامتشاق هذه المفردات، وإدّعاء الصدقية في المنافحة عن الحقوق الإنسانية وقيمة المواطنة، لأسباب معلومة، وكامنة في بُنية النظاميْن. فقطع الرؤوس، أو رفعها شنقاً، في البلدين، يُعد ممارسةً مألوفةً تحت عناوين القصاص والخروج على الحاكم الشرعي، بينما الطرفان، السعودي والإيراني، هما الأحوج، لا سيما في أوقات هذا الارتباك الأخلاقي العربي والإسلامي الذي أوقعته "داعش" ومثيلاتها في الوعي الجمعي لأمة المسلمين؛ الأحوج إلى مراعاة بعض الضوابط الصارمة، بُغية إحراز التفوق الأخلاقي على الإرهابيين المتطرفين.
لسنا معنيين، هنا، بتناول مجمل السياسات الداخلية والخارجية التي يعتمدها الطرفان، الإيراني والسعودي، لا سيما التي تنطوي على شطط، ومظالم كثيرة ليس لها ضحايا سوى المسلمين. على هذا الصعيد، وبسبب فداحة التدخل الإيراني في سورية، وما يميزه من تعدٍ دامٍ على الشعب السوري؛ وجدنا أن هذه النقطة غالبة، فتناولناها مراراً، غير أن المعالجة السعودية لأمر فقيهٍ شيعي، بهذه الطريقة التي شملته مع آخرين، من متشددي السلفية الجهادية الذين ارتكبوا أعمال عنف إرهابية؛ كانت غير موفقة، وجرت بناءً على حسبة خاطئة، حيال مصالح الرياض في الوئام الاجتماعي، وفي تفعيل الحوار، واحتواء المعارضين السياسين، طالما أن مشكلتهم تتعلق بقيمة المواطنة وحقوقها، وتتعلق، أيضاً، بوجدان مكوّن شعبي موجود، وله شكايته. ففي وضعية الشطط في سياسات الطرفين التي تحركها اعتبارات دينية وفقهية متضادة؛ كان ضرورياً أن تتلمس الرياض المخاطر من مفاقمة حال الاحتقان، المتفاقم أصلاً، في الإقليم، من دون أن يجادلها أحد، في صواب ما تراه في سلوك الطرف الآخر.
الغرب، المدان بازدواجية القياس وازدواجية المعايير، عند النظر إلى وقائع التردي الأخلاقي والإرهاب في العالم، وحيال الدكتاتوريات الصديقة له، ومنها دكتاتورية الاحتلال الإسرائيلي، الذي يحاول مداراة أصوليته المتطرفة بالعباءة الديمقراطية الزائفة؛ بادر إلى إدانة الإعدامات السعودية كلها، أي إدانة إعدام السلفي السني الجهادي المتطرف الذي يقاتله، وكذلك الخطيب الشيعي المعارض. معنى ذلك أن هذا الغرب يسجل نقطة تفوق أخلاقي، ولا يكترث لكون الضحايا من أعدائه، ولم يكن ليفعل ذلك، رداً على الإعدامات والقتل العمد الذي ينفذه المحتلون الإسرائيليون، بحق شباب فلسطينيين وفتياتها، بدون محاكمات ولو صورية.
لم يكن السعوديون يجهلون طبيعة ردود الفعل الإيرانية التي ستكون على إعدام الشيخ نمر النمر، ولا هم يجهلون أن الإيرانيين يرون في شيعة المنطقة الشرقية من السعودية امتداداً لهم. هنا، كان ينبغي أن تدخل الرياض المباراة بمنطقٍ آخر، لكي تفوز بجعل شيعة السعودية امتداداً للرياض وليس لطهران، ولديها وسائل وإمكانات وحجج كثيرة، لكي تفعل ذلك وتنجح، خصوصاً في ضوء نزعة قومية فارسية، في لبوسٍ فقهي ديني، تتبدّى عارية من خلال طبيعة تعامل طهران مع العرب الشيعة من مواطنيها وفي أراضيها.
ولعل من بين عناصر الحسبة الخاطئة التغاضي عن حقيقة أن المكون الشيعي موجود في أقطار الخليج، وأن من شأن التوتر مع إيران إرباك الموقف السياسي في هذه الدول، وانكشاف عدم قدرة حكومات خليجية أخرى على قطع العلاقات مع طهران، وهذه خاطئة أيضاً، ولا زالت تفعل فعلها في توتير الإقليم.
ويُخشى، بسبب التطور السلبي الأخير، أن تدفع الثمن شعوب سورية واليمن والعراق، بعد كل ما ذاقته هذه الشعوب من عذابات وموت. لذا، كنا نتمنى لو أن قضية الشيخ النمر عولجت بطريقة أخرى، لأن الرجل كان محض ناشط يمتشق لغة احتجاجية، ثم أصبح حبيس السجن، ولا يُسمع له صوت، وكان في مقدور السعوديين احتواء ظاهرته، وتفويت الفرصة على إيران وغيرها، في هذا الخضم المضطرب.