عاد مطلب تطبيق عقوبة الإعدام في الجزائر إلى الواجهة بقوة خلال الأيام الأخيرة بعد اختطاف وقتل الطفلة نهال سي أمحند، بمحافظة تيزي وزو ( 100 كلم إلى الشرق من العاصمة الجزائر) نهاية شهر يوليو/ تموز الماضي.
ونظم مواطنون وأقارب أطفال اختطفوا وقتلوا في السنوات السابقة، مسيرات في عدة مدن منها قسنطينة وعنابة ووهران ومستغانم، كما نقلت وسائل إعلام محلية، وطالبوا رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، بتفعيل عقوبة الإعدام في البلاد والمجمدة منذ سنة 1993، خاصة ضد من يختطف الأطفال ويقتلهم، وأيدهم في ذلك متعاطفون وفعاليات من المجتمع المدني.
وعلى المستوى السياسي، جددت الأحزاب الإسلامية مطلبها بتنفيذ هذه العقوبة بحق خاطفي الأطفال وقاتليهم على وجه الخصوص، وانضم إليهم هذه المرة حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده مدير ديوان رئيس الجمهورية، أحمد أويحيى، وهو من أحزاب السلطة.
بالمقابل، عارضت فعاليات أخرى مثل منظمات حقوق الإنسان والمحامين وأحزاب أخرى على غرار حزب العمال (يسار) هذا التوجه. وأكدت لويزة حنون، الأمين العام لحزب العمال، في مؤتمر صحافي سابق، أن "تطبيق حكم الإعدام بحق خاطفي وقتلة الأطفال ليس هو الحل الأمثل، بدليل أن العديد من الدول التي تطبق الإعدام مثل الولايات المتحدة الأميركية لم تختف بها ظواهر القتل والاختطاف وغيرها".
وبين الرأيين، قررت الحكومة البحث عن طرق جديدة لحماية الأطفال من الاختطاف والقتل، وأعلن الأربعاء 24 أغسطس/ آب، عن قرار جديد يقضي بتفعيل "مخطط إنذار وطني" في كل مرة يعلن فيها عن حالة اختطاف أو فقدان أطفال في جهة من جهات البلاد، تطبيقا لقرار من رئيس الوزراء، عبد المالك سلال.
ويوضع مخطط الإنذار هذا تحت إشراف النائب العام، وهو يضم عدة هيئات ومؤسسات عمومية معنية بالعملية، مثل أجهزة الأمن، وسائل الإعلام الحكومية والدعائم الإعلانية برمتها، شركات الهاتف، الموانئ المطارات ومحطات السفر وغيرها، وبمجرد الإبلاغ عن حالة اختطاف أو فقدان طفل يتم تفعيل هذا المخطط، ويتم التنسيق بين جميع الهيئات المذكورة سلفا بهدف إيجاد الطفل المختطف في أقرب وقت ممكن، وقبل أن يقع له أي مكروه وفق تعليمة لرئيس الوزراء نشرتها وسائل إعلام حكومية.
وبلغت حالات اختطاف الأطفال بين عامي 2014 و2015 حسب تقرير سابق لإدارة الشرطة الجزائرية، 247 حالة، بعضها انتهت بمقتل أطفال فيما لم تصدر حتى الآن أي حصيلة رسمية حول الحالات المسجلة خلال العام الجاري.
وقال تقرير نشرته الهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث (غير حكومية)، مطلع الشهر الجاري، إن دوافع اختطاف الأطفال تتراوح بين الاعتداء الجنسي وتصفية حسابات وقضايا ابتزاز بين أشخاص.
وتلتزم السلطات الجزائرية الصمت بشأن موقفها من مطلب رفع التجميد عن عقوبة الإعدام، وكان وزير العدل، الطيب لوح، قد أكد العام الماضي أمام البرلمان أن مثل هذا القرار يتطلب نقاشا واسعا داخل المجتمع قبل تطبيقه.
ويقف رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان في الجزائر (حكومية)، المحامي مصطفى فاروق قسنطيني، في مقدمة الرافضين لإعادة تطبيق عقوبة الإعدام.
وقال "من الطبيعي أن يطالب الناس بتطبيق عقوبة الإعدام في الأوقات التي تقع فيها اختطافات للأطفال، كما وقع مؤخرا للطفلة نهال سي أمحند التي اختطفت وقتلت، هذا أمر عادي لأن المواطنين يعيشون قلقا كبيرا على أبنائهم في مثل هذه الظروف، لكن لابد أن لا ننسى أن الجزائر صادقت على الاتفاقية الدولية الخاصة بعدم تطبيق الإعدام سنة 1993، ومنذ ذلك الوقت لم ينفذ أي حكم إعدام في البلاد، وعليه من الصعب أن تتراجع الجزائر عن توقيعها وتضرب مصداقيتها".
وبرأيه فإن ما يجب فعله اليوم هو "التفكير في هذا الموضوع ببرودة أعصاب وبحكمة بعيدا عن العواطف، وفتح نقاش شامل وواسع بين جميع مكونات المجتمع الجزائري بخصوص هذه المسألة على أن يأخذ الوقت الكافي، والكلمة الأخيرة فيها تعود للمشرع القانوني وليس للشارع، لأن هذا الأخير غير مؤهل للفصل في قضية حساسة مثل هذه".
وعلى عكس الرأي السابق، طرحت الأحزاب الإسلامية بقوة فكرة إعادة تفعيل عقوبة الإعدام بعد تزايد حالات اختطاف الأطفال وقتلهم، ورافعت من أجل هذا الرأي طيلة أسابيع منذ اختطاف الطفلة نهال سي أمحند في 21 يوليو/ تموز الماضي، والعثور عليها مقتولة في الخامس من أغسطس/آب الجاري.
وفي هذا الصدد، يقول النائب في البرلمان الجزائري، نعمان لعور: "نحن نطالب بتطبيق حكم الإعدام من منطلق أنه وسيلة من وسائل حماية المجتمع أولا، وثانيا نطبق ما أمرنا به الله سبحانه و تعالى في هذا الجانب وهو الأعلم بما يفيد ويحمي الناس".
وردا على من يقولون أن تنفيذ الإعدام لن يقضي على ظاهرة القتل، يضيف النائب عن حركة مجتمع السلم قائلا "ظاهرة القتل ستبقى، لكن الله لما أقر الحد فإن العبرة من ذلك هي النسبة، أي تقلص الظاهرة بطريقة كبيرة جدا".
وتابع "وبالنسبة لقتل الأطفال ربما ستنعدم كلها، لأن القاتل لما يعلم مصيره وأنه سيقتل، سيرتدع عن ارتكاب الجريمة، لكن لما يعلم مسبقا أنه حتى لو قتل فإنه لن يقتل، فإن ذلك لن يردعه، وبالتالي فإن إقامة الحد ستقضي على التعسف في قتل الأبرياء، وبدلا من أن نعذب مجتمعا بأكمله ونتركه يعيش وسط الخوف لنحمي مجرما، علينا أن نردع هذا المجرم لحماية مجتمع بأكمله".
وللإشارة، فإن قانون العقوبات والقانون العسكري في الجزائر ينصان على عقوبة الإعدام في 17 حالة، لكن تنفيذ أحكام الإعدام توقف سنة 1993 وتم تخفيضه آليا إلى السجن مدى الحياة.