قرر مجلس النواب الليبي المنحل في مدينة طبرق شرقي ليبيا، إعادة 129 ضابطاً إلى الخدمة العسكرية، على رأسهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وكان لافتاً أن إعادة هؤلاء جاءت عبر قرار وليس بواسطة التصويت، وذلك في إطار استعمال رئيس مجلس النواب المنحل، عقيلة صالح، لصلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلّحة المؤيدة له، وهي صفة لم يُصدر صالح من خلالها قرارات من قبل.
كما أن إعادة هؤلاء عبر قرار، يعفي صالح من إخضاع هذا الأمر لتصويت أعضاء مجلس النواب المنحل، وخصوصاً في ظل المعلومات المتواترة عن عدم تحقق النصاب المطلوب للتصويت على قرارات بحجم إعادة عسكريين منهم للخدمة، بينهم قائد "عملية الكرامة" خليفة حفتر.
إضافة إلى ذلك، فإن التصويت داخل مجلس النواب المنحل على قرار إعادة حفتر للعمل العسكري بشكل رسمي، قد يُظهر انقساماً داخل البرلمان حول حفتر، حتى ولو كان بسيطاً أو غير مؤثر في اتخاذ القرار، وهو مشهد لا يتحمل مجلس النواب المنحل تبعات الظهور به أمام الرأي العام في شرق ليبيا، الذي بدأ يطرح أسئلة حول جدوى "عملية الكرامة" التي شنّها حفتر على بنغازي في السادس عشر من مايو/أيار من العام الماضي.
ويرى مراقبون أن الضغط الذي مارسه المعارضون للواء حفتر وبعض أعوانه من العسكريين الذين تقاعدوا، أو أحالهم المؤتمر الوطني العام إلى التقاعد، شكّل عبئاً عليهم لجهة صفتهم الرسمية من عدمها، لذا جاءت خطوة إعادتهم إلى الخدمة في سبيل رفع معنويات ضباط وضباط صف انضموا إلى حفتر وأيّدوه منذ اليوم الأول لانطلاق "عملية الكرامة".
وفي ذات السياق، فإن مجلس النواب المنحل، وإذا ما قرّر الدخول في الحوار الذي دعت إليه بعثة الأمم المتحدة في ليبيا برئاسة برناردينو ليون، فلا بد له من إصباغ شرعية على قادة "عملية الكرامة" التي حازت على مباركة وتأييد مجلس نواب طبرق، وذلك لتفادي الدخول في جدل حول مدى نظامية القادة العسكريين لـ "عملية الكرامة" في شرق ليبيا، وعلى رأسهم حفتر.
وثمة من يعتقد أن التيار المؤيد لحفتر داخل مجلس النواب المنحل، استطاع من خلال هذا القرار فرض إرادته على حزب تحالف القوى الوطنية بزعامة محمود جبريل، والتيار الفيدرالي، إذ إن قرار إعادة حفتر للعمل العسكري سيكون خطوة في إطار مسعى أكبر لتشكيل مجلس عسكري يقوده حفتر، له صلاحيات واسعة عسكرية وسياسية، وهو ما قد يعني بشكل من الأشكال، أن صالح وقّع على شهادة وفاة مجلس النواب، الذي اهتزت شرعيته وصورته الدولية بعد حكم الدائرة الدستورية في المحكمة الليبية العليا بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس النواب، التي جرت في الخامس والعشرين من يونيو/حزيران الماضي.
والخلاف حول تأسيس المجلس العسكري بين حزب تحالف القوى الوطنية، والتيار الفيدرالي من جهة، وبين المؤيدين لتشكيل المجلس، وصل إلى حد تراشق الاتهامات بين مؤيدي حفتر وجبريل عبر وسائل إعلام دولية ومحلية معارضة للمؤتمر الوطني العام، حتى أن جبريل هدد عبر محطات تلفزيونية بكشف معلومات وصفها بالخطيرة عن طبيعة "عملية الكرامة" التي يقودها حفتر، إن لم يظهر اللواء المتقاعد عبر وسائل إعلامه معتذراً عن اتهامات وجّهها مناصروه لحزب تحالف القوى الوطنية ورئيسه.
وينطلق الخلاف بين حفتر وجبريل من خشية الأخير، بأن يستأثر حفتر بالمشهد العسكري والسياسي، وأن يتحول من أداة تنفيذ القضاء على خصوم جبريل من الإسلاميين والمعارضين له، إلى حائز لجميع السلطات بيده، في مشهد يشبه المشهد السياسي المصري في مخرجاته بعد يوليو/تموز 2013.
بينما يرى حفتر أنه من خلال المجلس العسكري سيفرض سيطرته على كامل ليبيا، إذا ما استطاع الموالون له في طرابلس وبنغازي فرض سيطرتهم العسكرية على الأرض، ومن ثم سيُبرز أحقيته بتولي السلطة في ليبيا.