إعادة السياسة إلى صفقة الغاز الإسرائيلي

24 فبراير 2018
+ الخط -
هل دخل الهدف في المرمى التركي أم المصري؟ بوضوح قال الرئيس عبد الفتاح السيسي إن صفقة استيراد الغاز من إسرائيل تمثل بالنسبة له أن مصر "جابت جون". وهو المعنى نفسه الذي كرّره وزير البترول، طارق الملا، إنه لو لم تكن مصر عقدت هذه الصفقة مع إسرائيل لكانت عقدتها "دولة أخرى"، قاصداً تركيا التي كانت تُجري مباحثاتٍ حول مد أنبوب غاز إسرائيلي إلى أوروبا عبر أراضيها، فجاء التحرّك المصري ليقطع تلك الخطة.
نقاشات مطولة شهدتها الأوساط المصرية بشأن الجدوى الاقتصادية لاستخدام الغاز الإسرائيلي في الشبكة المصرية أو تصديره كاملاً، حول السعر الأمثل، حول مدى استفادتنا من التخلص من غرامات التحكيم الدولي، وغيرها من التفاصيل الاقتصادية التي أغفلت في أغلبها الأزمة الحقيقية، وهي أنها ببساطة إسرائيل!
كان واضحا للغاية أن نتنياهو، ممثل عدونا التاريخي، لا يتحدث عن فائدة اقتصادية فقط، حين يقول أن إسرائيل في يوم عيد، فرقم 15 مليار دولار على مدار سنوات طويلة لا يمثل قفزةً كبيرة للاقتصاد الإسرائيلي، بقدر ما يمثل الاتفاق سياسياً قفزة كبيرة في مسار التطبيع المجاني مع الدول العربية، من دون أدنى مكاسب سياسية في المقابل. كما يمثل الاتفاق قفزة أخرى في تثبيت الوضع القائم، باستيلاء إسرائيل على الغاز المتنازع عليه مع لبنان وفلسطين، ليضاف إلى مزيد من الحقوق العربية التي تلتهمها، ثم يتقادم عليها الزمن وموازين القوى.
ويحدث ذلك مع حكومة نتنياهو تحديداً، الحكومة اليمينية الأكثر تشدّداً والأكثر تمسكاً بوقاحة باستمرار الاستيطان، وهي أيضاً الحكومة المهدّدة بالانهيار داخلياً، بسبب فضيحة الفساد التي تحاصر نتنياهو، ليأتيه الإنقاذ على طبق مصري.
ليست الأبعاد السياسية للاتفاق خارجية فقط، فالنقاش الاقتصادي أغفل أيضاً أنه ببساطة عهد السيسي، وهو العهد الذي دأب على تهميش الشراكة الشعبية إلى أبعد مدى، وهذه دلالة أن يسمع المصريون للمرة الأولى عن أخبار الاتفاق من عدوهم الإسرائيلي، لا من المسؤولين المصريين، وهي السياسة التي تمتد إلى مختلف الشؤون السياسية والاقتصادية. لكن من جانب آخر، على المعارضين أن يروا في الأبعاد السياسية للاتفاق ما هو أبعد من إدانة التطبيع، أو مواد الهجوم الإعلامي.
يمثل الاتفاق ترسيخاً أقوى لشبكة العلاقات الإقليمية والدولية التي أرساها نظام السيسي، ويواصلها بنجاح كبير، علاقات مميزة مع صديقه دونالد ترامب في أميركا. وفي المقابل، صداقة أخرى مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي وقع معه عقد إنشاء محطة الطاقة النووية بفي الضبعة، وكذلك دخلت شركة روسية بحصة في استثمارات حقل ظهر.
العلاقات الأوروبية بدورها ازدهرت إلى حد إعادة اجتماعات الشراكة المصرية الأوروبية، وهي التي انقطعت منذ سبع سنوات، وتمتلئ الدوائر الأوروبية بذكر اعتمادهم عليه في منع الهجرة غير الشرعية بكفاءة. وفي سبيل ذلك، خصصت ألمانيا مئات ملايين الدولارات لبرنامج مصري.
واليوم، لا يؤكد اتفاق الغاز فقط احتفاظه بورقة الضغوط الإسرائيلية لصالحه، بل أيضاً ترسيخاً لمصلحة أوروبية قد تمتد إلى مفاوضاتٍ مع قبرص، عضو الاتحاد الأوروبي، للغرض نفسه، ما يحرّر أوروبا من بعض سطوة الغاز الروسي.
وكما يجب الاعتراف بهذه الحقائق الخارجية، يجب الاعتراف بحقيقة داخلية، وهي أن اهتمام الشعب المصري بعداء إسرائيل يتراجع في قائمة الأولويات، لأسباب عديدة، وهو ما دفع المعارضين، لا شعورياً، إلى محاولة إبراز المساوئ الاقتصادية للاتفاق، واندمجت كل الأطراف بالتفاصيل التقنية والفنية، وتورّط بعض المعارضين بسرد معلومات مضللة في هذا الشأن، وهو ما لا يفيد، بل يُفقد المصداقية.
وكانت اتفاقية الكويز قد أفادت صناعة الملابس المصرية اقتصادياً بالفعل، لكن هذا الأمر، في المقابل، لا ينفي أبداً مضارها السياسية والاستفادة الإسرائيلية المضاعفة، ولو كانت كل الأمور تُحسب بمنطق المال فقط، لبِعنا سيناء لإسرائيل من دون حرب.
على المعارضة المصرية إعادة الاعتبار للسياسة بهذه القضية، سواء فيما يخص رؤيتها الشاملة للواقع الحالي، مهما بلغت قتامته، أو فيما يخص الخطاب الشعبي.