إضراب للقطاع العام يشلّ لبنان أسبوعاً كاملاً

07 مايو 2014
خلال تظاهرة الأسبوع الماضي لهيئة التنسيق (وكالة الأناضول/ getty)
+ الخط -

يستعدّ لبنان لاستقبال موجة إضرابات وتحركات جديدة في الشارع. فقد أعلنت هيئة التنسيق النقابية، التي تضمّ آلاف الموظفين والأساتذة في القطاع العام، في مؤتمر صحافي مساء أمس الأربعاء، الإضراب الشامل اعتباراً من اليوم الخميس ولمدة أسبوع حتى يوم الأربعاء المقبل، موعد انعقاد جلسة البرلمان لمناقشة زيادة الأجور.
وأوضحت الهيئة، على لسان عضو الهيئة حنا غريب، أن "الإضراب الشامل سينفّذ في المدارس الرسمية والخاصة وفي كافة مؤسسات الدولة من أجل شلّها والانطلاق بتحركات من المناطق ليكون يوم الانفجار الكبير".
ويأتي الإضراب والتحركات على خلفية توجه البرلمان اللبناني نحو إقرار مشروع "سلسلة الرتب والرواتب" الذي يحدد زيادة الأجور للقطاع العام والترفيعات الوظيفية للمعلمين والموظفين والأسلاك العسكرية.
وبنود هذا المشروع، الذي نفّذت النقابات من أجل إقراره عدداً كبيراً من الإضرابات والاعتصامات منذ أكثر من 3 سنوات، جاءت مخالفة لتوقعات هيئة التنسيق النقابية ومطالبها.  

 قصة سلسلة الرتب والرواتب

في 3 أيلول/ سبتمبر من العام 2011، صدر القانون رقم 173 الذي حصل القضاة بموجبه على زيادة في أجورهم وترفيع في درجاتهم الوظيفية، وفي شهر شباط/ فبراير من العام 2012 أقرت الحكومة اللبنانية مرسوم تصحيح الأجور في القطاع الخاص، وبقي المعلمون وموظفو القطاع العام بانتظار مشروع قانون تصحيح أجور ورواتب القطاع العام الذي تعدّه وزارة المالية لتصحيح سلاسل الرتب والرواتب، بعدما توقفت الحكومات المتعاقبة عن تصحيح أجور العاملين في القطاع العام منذ 18 عاماً.

في نهاية آذار/ مارس من العام 2012، أعلن وزير المالية محمد الصفدي، في تصريحات صحافية، أن مشروع السلسلة سيوضع على طاولة مجلس الوزراء قبل نهاية نيسان/ أبريل. ليتبيّن أن المشروع يتضمن بنوداً اعتبرها المعلمون والموظفون مجحفة، من حيث سوء توزيع الدرجات وتقسيم الزيادات على الرواتب وفق أقساط سنوية.

نتيجة عدة تحركات لهيئة التنسيق النقابية، أعدّت وزارتا المالية والتربية، بالتعاون مع مجلس الخدمة المدنية، مشروع قانون ثانٍ.
وأعلنت هيئة التنسيق موافقتها عليه كونه يحمل بنوداً يمكن أن ترتّب "أقل خسائر ممكنة".
وجرى تحديد فترة تطبيق سلسلة الرتب والرواتب بمفعول رجعي من تاريخ 1 شباط/ فبراير 2012، أسوة بتاريخ تطبيق الزيادة على الأجور في القطاع الخاص.

في مطلع حزيران/ يونيو 2012 أعلنت وزارة المالية عن مشروع قانون ثالث لتعديل السلسلة يلغي كل البنود السابقة. وبعد تحركات كبيرة نفّذتها هيئة التنسيق النقابية، وعد رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي بإقرار مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب في شهر حزيران ذاته، وذلك وفق الاتفاق السابق الذي أبرمته الهيئة مع وزارتي المالية والتربية. إلا أن ذلك لم يتحقق.

وبعد إضراب شامل وتظاهرات في المناطق شلّت لبنان وجميع الادارات العامة والوزارات في 5 أيلول/ سبتمبر من العام 2012، أقرت الحكومة في 6 أيلول سلسلة الرتب والرواتب والمفعول الرجعي للسلسلة مستحقاً من 1/7/2012.

في هذا اليوم، أي في 6 أيلول، دخلت الهيئات الاقتصادية، (وهي تجمع يضم أصحاب المؤسسات الكبيرة ورجال الأعمال وجمعيات التجار والصناعيين والمستوردين وجمعية أصحاب المصارف)، إلى خط الصراع بطريقة رسمية، وأعلنت، عبر بيان، التالي: "نرفض أي قرار يصدر عن مجلس الوزراء حول سلسلة الرتب والرواتب". وذلك، بعدما تم ربط تمويل زيادة الأجور للقطاع العام بضرائب تطال أرباح المصارف والشركات إضافة الى الضرائب على الربح العقاري. وانضمت "القمة الروحية المسيحية ـ الإسلامية" إلى لائحة داعمي الهيئات.

انتهى العام 2012، على وقع 14 إضراباً و60 اعتصاماً، و4 تظاهرات نفّذتها هيئة التنسيق النقابية من أجل إقرار زيادة الأجور.
واستمرت التحركات في العام 2013، إلى أن جرى تحويل سلسلة الرتب والرواتب من الحكومة الى البرلمان في حزيران 2013، وفق الصيغة التي ترفضها هيئة التنسيق النقابية.

البرلمان يواجه الموظفين

 بعد 11 شهراً من مناقشة لجان البرلمان مشروع سلسلة الرتب والرواتب (زيادة الأجور في القطاع العام والترفيعات الوظيفية)، أعلنت اللجنة النيابية المصغرة التي شكلها رئيس البرلمان عن انتهائها، منذ يومين، من إعداد تقرير يحدد آليات تمويل سلسلة الرتب والرواتب، إضافة الى نسبة الزيادات على الأجور وحجم الترفيعات الوظيفية.

والمشروع، الذي كان من المفترض أن يكون سرياً، أصبح في يد هيئة التنسيق النقابية، التي أعلنت عن التفاصيل الواردة فيه والتي تتناقض بالكامل مع مطالب الهيئة، خصوصاً من ناحية "الزيادة الهزيلة التي لحقت برواتبهم، وعدم اعتماد المفعول الرجعي في تصحيح الأجور، إضافة الى تمويل سلسلة الرتب والرواتب من فرض ضرائب مباشرة على المواطنين" وفق ما أعلن عضو هيئة التنسيق النقابية نعمة محفوض، في حديث مع "العربي الجديد".

كما أعلن عضو هيئة التنسيق النقابية حنا غريب، خلال مؤتمر صحافي يوم أمس الأربعاء، "إن ما صدر عن اللجنة النيابية التي كلّفت إعادة درس سلسلة الرتب والرواتب، يشكل إهانة صارخة لكرامة اللبنانيين جميعاً، لا سيما الفقراء واصحاب الدخل المحدود، قبل أن يشكل إهانة للاساتذة والمتقاعدين والمياومين في القطاع العام".
وتابع: "قلنا وما زلنا نقول بأننا لن نقبل بتصحيح رواتبنا على حساب الفقراء واصحاب الدخل المحدود، ونرفض رفضاً قاطعاً لهذا المشروع المسخ، وتدعو هيئة التنسيق المجلس النيابي الى إقرار السلسلة التي تضمن الحقوق لا التي تضر بها، لأن السلسلة حقوق والحقوق لا تخضع للمساومة".

ودعا غريب "البرلمان الى إقرار السلسلة من دون تقسيط أو تجزئة، وفرض الضرائب وزيادتها على الريوع المصرفية والقطاعية واستعادة الاملاك العامة البحرية والنهرية، وإلغاء المشروع الجهنمي القديم الجديد الذي تقترح اللجنة تمريره ألا وهو مشروع التعاقد الوظيفي".

نموّل أجورنا من جيوبنا

الملاحظات على مشروع تصحيح الأجور والترفيعات في القطاع العام عديدة، لعل أبرزها إلغاء درجات وظيفية لعدد من الفئات الوظيفية، وتقديم زيادة زهيدة على الأجور، إضافة الى إلغاء المفعول الرجعي في دفع الزيادة والذي كان محدداً في المشروع السابق من منتصف العام 2012.

يشرح عضو هيئة التنسيق النقابية نعمة محفوض، في حديث مع "العربي الجديد"، أن سلسلة الرتب والرواتب التي يتجه البرلمان إلى إقرارها، لا تقدّم أي حقوق للأساتذة والمعلمين.

ويلفت إلى أنه أستاذ في إحدى المدارس في لبنان منذ 30 عاماً، وراتبه لا يتعدى 1500 دولار أميركي، وكان من المفترض أن يلحق براتبه زيادة على غلاء المعيشة التي لم تصحح منذ 18 عاماً بقيمة 600 دولار، إلا أن مشروع السلسلة الذي سيقره البرلمان لا يزيد راتبه سوى حوالى 200  دولار.

ويرفض محفوض فرض الضرائب على المواطنين لتمويل زيادة الأجور للقطاع العام. ويشرح أن هذه الضرائب ستأكل الزيادة التي ستلحق بالأجور، وستزيد من المشكلات الاقتصادية للمواطن اللبناني. ويؤكد على أن مشروع السلسلة الموجود في البرلمان يحدد موعد دفع الزيادات على الأجور في الأول من تموز/ يوليو المقبل بدلاً من أن يكون بمفعول رجعي من العام 2012. ويسأل محفوض بغضب: "هل يعتقد النواب أننا شحاذون؟ نحن أصحاب حق وسنحصل على حقوقنا أسوة بموظفي القطاع الخاص، وأسوة بعدد من الوظائف التي حصلت على الزيادات في القطاع العام".

ويتابع محفوض: "نحن حوالى 100 ألف أستاذ، و15 ألف موظف، وأكثر من 100 ألف عسكري، ونحن لا نرضى بالاستخفاف بحقوقنا. إنهم يريدون إحباطنا، ولكننا لن نفعل وسنحصل على حقنا".

من جهته، يقول أمين سر رابطة موظفي القطاع العام محمود الشعار، لـ"العربي الجديد"، إن مشروع زيادة الأجور الموجود في البرلمان، أعطى موظفي القطاع العام زيادات على أجورهم تفوق تلك التي حصل عليها الأساتذة والمعلمون، وذلك بهدف شق هيئة التنسيق النقابية. ويضيف: "هيئة التنسيق النقابية لن تنشق، وسيقف كل القطاع العام في مواجهة مشروع سلسلة الرتب والرواتب الهزيل، ليتم إقرار المشروع الذي وافقت عليه الهيئة بعدما طرحته وزارة المالية منذ سنتين".

ويشرح الشعار أن مشروع السلسلة يموّل زيادة الأجور من أجور الموظفين أنفسهم. إذ إن موظفي وزارة المالية مثلاً يتقاضون رواتب تراوح بين 450 و700 دولار برغم ممارستهم الوظيفة في الوزارة منذ أكثر من 15 عاماً. وهؤلاء يحصلون على حوالى 600  دولار إضافية منذ سنوات طويلة جداً كتعويضات متفرقة. إلا أن مشروع السلسلة يلغي هذه التعويضات بالكامل. في المقابل يعطي الموظفين ما بين 200 و350 دولاراً. ما يعني أن البرلمان سيقلّص من رواتب الموظفين ليزيد أجور الموظفين أنفسهم.

ويشير الشعار إلى أن مشروع السلسلة يفرض مقابل الزيادات الهزيلة على الأجور، زيادة في ساعات العمل تصل الى 3 ساعات أسبوعياً، "وهذا أمر مرفوض".

 

 

المساهمون