ما حصل في الأردن، حين أقدمت نقابة المعلمين المهنية على إضراب عن التعليم عند افتتاح المدارس بعد العطلة الصيفية، فتح شهية الشعب الأردني، بكل أطيافه، على النقاش في قضية التعليم، ومستواه وشروط تطويره، وكذلك على قضية توزيع الدخل في الأردن، ومجمل العلاقة المالية بين الشعب والحكومة.
وقد نجح الملك عبد الله الثاني، بصمته الظاهر، في إبعاد نفسه عن هذه القضية، مبقياً نفسه على مسافة واحدة من طرفي النزاع، أو بالأحرى أطراف النزاع كلها، المباشرين وغير المباشرين.
أما الأطراف المباشرة فتتمثل في الحكومة ونقابة المعلمين، والأطراف غير المباشرة هي الحكومة والشعب، النقابة والشعب، والجميع حيال حالة البلاد بأسرها.
وقد استمرت الأزمة شهراً قبل أن ينبلج فجر الأحد الماضي عن اتفاقٍ بين الطرفين. وفي تقديري أن نقابة المعلمين الأردنيين أدارت المعركة الإعلامية بنجاح كبير، فاق نجاح الحكومة، أو محاولاتها من أجل مجال كسب الرأي العام إلى جانبها.
وكذلك انتزعت النقابة تصريحاً من رئيس الوزراء، عمر الرزاز، يعترف فيه بأن إساءات للمعلم قد وقعت، وأكد أن كرامة المعلم من كرامة الوطن. وهكذا يعود المعلمون إلى صفوفهم مرفوعي الرأس، مؤكدين أن تعطيل الدراسة لم يذهب هباء، بل حقق أغراضه.
اقــرأ أيضاً
ولكن في المقابل، لا يعني هذا أن الحكومة قد استسلمت لشروط نقابة المعلمين كما بدأت، فهنالك نقاط سجلتها الحكومة، كانت قد تمسّكت بها طوال فترة التفاوض والإضراب، فالزيادات على الرواتب الأساسية للمعلمين كانت على نسبة العلاوة المُقَرّة سابقاً.
وبمعنى آخر، هذه الزيادة هي نسبة من الراتب الأساسي كرقم مرجعي، وليست زيادة على الراتب الأساسي والعلاوات. ولو أنها كذلك، فإنها كانت سترفع الراتب الكلي الإجمالي للمعلم بنسب أعلى من النسب المتفق عليها، ولتجاوزت كلفتها ضعف كلفتها الحقيقية، والتي أُقدّرها بحدود 70- 80 مليون دينار سنوياً، بدلاً من 115 مليون دينار كلفة المطالب الأساسية للنقابة.
والمكسب الثاني الذي أنجزته الحكومة أنها أبقت على نسب الزيادات على الرواتب مرتبطة بالمؤهل المهني للمعلم، فمساعد المعلم يحصل على علاوة 35% من الراتب الأساسي، ترتفع النسبة بارتفاع مؤهلات المعلم، وقد أضيفت رتبة جديدة هي المعلم القائد، والذي نال علاوة 75% من الراتب الأساسي. وهكذا يكون المشرف على باقي المعلمين، أي القائد، مؤهلاً يستطيع الحكم على أهلية المعلم.
وقد انتهت مشكلة إضراب المعلمين التي استمرت شهراً، ثلاثة أسابيع منها إضراب كامل عن التدريس. والمطلوب الآن تعويض الوقت الذي ضاع من العام الدراسي، من أجل استكمال المناهج الموضوعة، وحتى يعطى طلاب المدارس العامة فرصةً للتساوي مع طلاب المدارس الخاصة الذين لم يُضربوا.
اقــرأ أيضاً
المهزوم الحقيقي في المعركة هو وزير المالية، والذي سيطالب بتدبير حوالي 30 مليون دينار إضافية حتى نهاية العام، لتسديد فاتورة زيادة رواتب المعلمين، وكذلك زيادة رواتب المتقاعدين العسكريين قبل عام 2010، والتي أمر بها الملك عبد الله الثاني قبل حوالي أسبوعين.
وقد اعترف وزير المالية، عز الدين كناكرية، أن العجز خلال الأشهر الثمانية الأولى قد فاض عن 170 مليون دينار إضافية عن العجز المتوقع أصلاً في الموازنة، والبالغ للسنة كلها 670 مليون دينار.
ومع أن الحكومة تتوقع أن تأتي إليها مبالغ من المساعدة الأميركية لدعم الموازنة، ومن تحصيل ضريبة الدخل في الشهر الأخير، إلا أن هذه قد أُخذت بالاعتبار، عندما حسب أن العجز الأصلي سيصل إلى 670 مليون دينار.
والمشكلة ليست فقط في تدبير المال، بل وفي الحصول على التدفق النقدي المطلوب كل شهر، لكي تتمكّن الحكومة من سداد التزاماتها، وخصوصاً الرواتب. وإذا استمر نمو العجز الفعلي على منواله، فمن المتوقع أن يصل إلى قرابة 900 مليون دينار، ما يعني أن هدف تخفيض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لن يتحقّق، بل سيرتفع فوق النسبة المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، وربما يصل إلى 97%.
اقــرأ أيضاً
وهذا يعني أن صندوق النقد الدولي سيعود إلى الأردن مطالباً بإجراءات تقشفية جديدة، تمس قدرة الأردن على الاستدانة، وعلى تحريك عجلة النمو، خصوصاً وأن معدل النمو السنوي المتوقع لن يزيد هذا العام عن 1.7%، أو أقل بنصف نقطة مئوية عن النمو الذي توقعته الحكومة، وعلى أساسه أعدت الموازنة العامة، والتي قدّرت النمو بنسبة 2.2%.
وحسب تصريحات وزير المالية، عادت الحكومة لتدعم رغيف الخبز بمقدار يصل إلى 250 مليون دينار سنوياً، وتدعم المياه بمقدار 300 مليون دينار سنوياً. وأكدت أن دخلها من الضرائب على السجائر قد انخفض بشكل كبير بسبب التهريب، وكذلك دخلها من الجمارك وضريبة المبيعات على سيارات الهايبرد والسيارات الكهربائية، وحتى السيارات العادية.
إذن، هذه تعني أن الحكومة ستكون مضطرة، إن بقي الوضع على حاله، إلى رفع أسعار الخبز والمياه، وهاتان المادتان الاستراتيجيتان عادة يسبب ارتفاع أسعارهما أصواتاً واحتجاجاً في الأردن.
اقــرأ أيضاً
ويقف الأردن الآن أمام حالة مالية صعبة، بسبب غياب نموذج وخطة واضحين للتعامل مع الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها، والاعتماد على موارد خارجية إضافية لا يبدو ممكناً تحصيلها في المدى القصير.
ويتساءل الأردنيون عن أسباب هذه الأزمة، ويعزونها إلى الفساد، أو إلى الخصخصة، أو إلى العجز الإداري للحكومة، أو إلى الأولويات الخاطئة. ولكن الأخطر هو التسيب الإداري والقانوني، واعتبار "الحكومة" بمؤسساتها مشروعاً فاشلاً، يبحث عن طرق لحل مشكلاته على حساب الشعب، وأن الشعب يجب أن يتضامن ليجبرها على تحسين أدائها وضبط موازناتها.
أما الأطراف المباشرة فتتمثل في الحكومة ونقابة المعلمين، والأطراف غير المباشرة هي الحكومة والشعب، النقابة والشعب، والجميع حيال حالة البلاد بأسرها.
وقد استمرت الأزمة شهراً قبل أن ينبلج فجر الأحد الماضي عن اتفاقٍ بين الطرفين. وفي تقديري أن نقابة المعلمين الأردنيين أدارت المعركة الإعلامية بنجاح كبير، فاق نجاح الحكومة، أو محاولاتها من أجل مجال كسب الرأي العام إلى جانبها.
وكذلك انتزعت النقابة تصريحاً من رئيس الوزراء، عمر الرزاز، يعترف فيه بأن إساءات للمعلم قد وقعت، وأكد أن كرامة المعلم من كرامة الوطن. وهكذا يعود المعلمون إلى صفوفهم مرفوعي الرأس، مؤكدين أن تعطيل الدراسة لم يذهب هباء، بل حقق أغراضه.
ولكن في المقابل، لا يعني هذا أن الحكومة قد استسلمت لشروط نقابة المعلمين كما بدأت، فهنالك نقاط سجلتها الحكومة، كانت قد تمسّكت بها طوال فترة التفاوض والإضراب، فالزيادات على الرواتب الأساسية للمعلمين كانت على نسبة العلاوة المُقَرّة سابقاً.
وبمعنى آخر، هذه الزيادة هي نسبة من الراتب الأساسي كرقم مرجعي، وليست زيادة على الراتب الأساسي والعلاوات. ولو أنها كذلك، فإنها كانت سترفع الراتب الكلي الإجمالي للمعلم بنسب أعلى من النسب المتفق عليها، ولتجاوزت كلفتها ضعف كلفتها الحقيقية، والتي أُقدّرها بحدود 70- 80 مليون دينار سنوياً، بدلاً من 115 مليون دينار كلفة المطالب الأساسية للنقابة.
والمكسب الثاني الذي أنجزته الحكومة أنها أبقت على نسب الزيادات على الرواتب مرتبطة بالمؤهل المهني للمعلم، فمساعد المعلم يحصل على علاوة 35% من الراتب الأساسي، ترتفع النسبة بارتفاع مؤهلات المعلم، وقد أضيفت رتبة جديدة هي المعلم القائد، والذي نال علاوة 75% من الراتب الأساسي. وهكذا يكون المشرف على باقي المعلمين، أي القائد، مؤهلاً يستطيع الحكم على أهلية المعلم.
وقد انتهت مشكلة إضراب المعلمين التي استمرت شهراً، ثلاثة أسابيع منها إضراب كامل عن التدريس. والمطلوب الآن تعويض الوقت الذي ضاع من العام الدراسي، من أجل استكمال المناهج الموضوعة، وحتى يعطى طلاب المدارس العامة فرصةً للتساوي مع طلاب المدارس الخاصة الذين لم يُضربوا.
المهزوم الحقيقي في المعركة هو وزير المالية، والذي سيطالب بتدبير حوالي 30 مليون دينار إضافية حتى نهاية العام، لتسديد فاتورة زيادة رواتب المعلمين، وكذلك زيادة رواتب المتقاعدين العسكريين قبل عام 2010، والتي أمر بها الملك عبد الله الثاني قبل حوالي أسبوعين.
وقد اعترف وزير المالية، عز الدين كناكرية، أن العجز خلال الأشهر الثمانية الأولى قد فاض عن 170 مليون دينار إضافية عن العجز المتوقع أصلاً في الموازنة، والبالغ للسنة كلها 670 مليون دينار.
ومع أن الحكومة تتوقع أن تأتي إليها مبالغ من المساعدة الأميركية لدعم الموازنة، ومن تحصيل ضريبة الدخل في الشهر الأخير، إلا أن هذه قد أُخذت بالاعتبار، عندما حسب أن العجز الأصلي سيصل إلى 670 مليون دينار.
والمشكلة ليست فقط في تدبير المال، بل وفي الحصول على التدفق النقدي المطلوب كل شهر، لكي تتمكّن الحكومة من سداد التزاماتها، وخصوصاً الرواتب. وإذا استمر نمو العجز الفعلي على منواله، فمن المتوقع أن يصل إلى قرابة 900 مليون دينار، ما يعني أن هدف تخفيض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي لن يتحقّق، بل سيرتفع فوق النسبة المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، وربما يصل إلى 97%.
وهذا يعني أن صندوق النقد الدولي سيعود إلى الأردن مطالباً بإجراءات تقشفية جديدة، تمس قدرة الأردن على الاستدانة، وعلى تحريك عجلة النمو، خصوصاً وأن معدل النمو السنوي المتوقع لن يزيد هذا العام عن 1.7%، أو أقل بنصف نقطة مئوية عن النمو الذي توقعته الحكومة، وعلى أساسه أعدت الموازنة العامة، والتي قدّرت النمو بنسبة 2.2%.
وحسب تصريحات وزير المالية، عادت الحكومة لتدعم رغيف الخبز بمقدار يصل إلى 250 مليون دينار سنوياً، وتدعم المياه بمقدار 300 مليون دينار سنوياً. وأكدت أن دخلها من الضرائب على السجائر قد انخفض بشكل كبير بسبب التهريب، وكذلك دخلها من الجمارك وضريبة المبيعات على سيارات الهايبرد والسيارات الكهربائية، وحتى السيارات العادية.
إذن، هذه تعني أن الحكومة ستكون مضطرة، إن بقي الوضع على حاله، إلى رفع أسعار الخبز والمياه، وهاتان المادتان الاستراتيجيتان عادة يسبب ارتفاع أسعارهما أصواتاً واحتجاجاً في الأردن.
ويقف الأردن الآن أمام حالة مالية صعبة، بسبب غياب نموذج وخطة واضحين للتعامل مع الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها، والاعتماد على موارد خارجية إضافية لا يبدو ممكناً تحصيلها في المدى القصير.
ويتساءل الأردنيون عن أسباب هذه الأزمة، ويعزونها إلى الفساد، أو إلى الخصخصة، أو إلى العجز الإداري للحكومة، أو إلى الأولويات الخاطئة. ولكن الأخطر هو التسيب الإداري والقانوني، واعتبار "الحكومة" بمؤسساتها مشروعاً فاشلاً، يبحث عن طرق لحل مشكلاته على حساب الشعب، وأن الشعب يجب أن يتضامن ليجبرها على تحسين أدائها وضبط موازناتها.