ما يقلق عرار هو وصوله إلى التقاعد براتب متواضع، فقد تجاوز عمره 48 عاما، ولن تحسب له سنوات الخبرة لأغراض التقاعد ما قبل العام 2011، أي قرابة 14 عاما من أصل 22 سنة، ويروي عرار لـ"العربي الجديد" أن الموظفين انضموا عام 2011 في صندوق التقاعد العام، ليأخذوا مبلغاً مالياً كجزء من مكافأة نهاية الخدمة، لكنهم حرموا من احتساب تلك السنوات.
هذا مطلب من بين مطالب عدة أدت إلى إضراب 280 ضابط إسعاف في كل الضفة الغربية، ليتوقف عمل أهم مزود لخدمة الإسعاف في فلسطين، وهي جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني. ورغم وجود مزودين آخرين لخدمة الإسعاف كالخدمات الطبية العسكرية، ومركبات الإسعاف الخاصة، لكن يبقى الهلال الأحمر العمود الفقري لهذه الخدمة، ما يعني تأثير الأزمة الحالية على كل المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.
وتتبع جمعية الهلال الأحمر لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفق مرسوم من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بتكليف الجمعية بالمسؤولية الكاملة عن خدمة الإسعاف والطوارئ في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وفيما مثلت نقابة الإسعاف والطوارئ، اليوم الثلاثاء، أمام محكمة العدل العليا الفلسطينية في رام الله، والتي تنظر في القضية المرفوعة من قبل جمعية الهلال الأحمر حول قانونية الإضراب، كان العشرات من ضباط الإسعاف يعتصمون خارج المحكمة، رافعين لافتات تطالب بحقوقهم، لكن المرافعات كانت على أشدها داخل المحكمة، التي قررت تعيين جلسة للنطق بالحكم غدا الأربعاء.
قضية هي الثانية خلال عشرة أيام، لكن الأولى أوقفت بعد تدخل من وزارة العمل الفلسطينية، وتشكيلها "لجنة توفيق"، ليتم الإيقاف المؤقت للاحتجاجات المتواصلة منذ الأول من الشهر الجاري، وأدخلت الطرفين في حوار فشل في أول جلسة له الأحد الماضي، بعد رفض الجمعية العودة إلى ما قبل الأول من مايو/ أيار، أي وقف تقليص مركبات الإسعاف العاملة في نفس اللحظة، ووقف تقليص ساعات العمل في عدد من المراكز.
ويتهم الناطق باسم نقابة الإسعاف والطوارئ أسامة السويطي في حديث لـ"العربي الجديد" إدارة جمعية الهلال الأحمر بأنها تسعى من خلال التوجه إلى المحكمة إلى إدارة الأزمة لا حلها. مشيرا إلى أن قرار الإضراب اتخذ بعد تعنت الإدارة أثناء الحوار المشترك مع وزارة العمل، لكن الإدارة تستغرب الإضراب أثناء فترة حوار لم تنته، وهو أمر أكده مدير الإسعاف والطوارئ في جمعية الهلال الأحمر في الضفة الغربية إبراهيم الغولة لـ "العربي الجديد".
ووفق الغولة، فإن مطالب النقابة تنقسم إلى جزأين، الأول نقابي يمكن الحوار حوله، لكن بعضها كالتقاعد مرتبط بصندوق التقاعد لا الجمعية، والقسم الثاني إداري ترفض الجمعية تدخل النقابة به، واتخذ لمصلحة خدمة الإسعاف، وهي إعادة هيكلة مراكز الإسعاف والطوارئ وطبيعة وورديات العمل، بناء على نظام إلكتروني يراقب كل المركبات ويحدد حجم الاحتياج بشكل أدق، فبرأيه أن الأفضل أن تعمل الجمعية بجهاز إسعاف رشيق ويؤدي الغرض ويستمر لفترة أطول، بدلا من جهاز إسعاف مترامي الأطراف ومتوسع الخدمة، وباهظ التكلفة، وينهار بعد سنوات قليلة.
ويقرّ الغولة بأن تقليص المركبات وساعات العمل في بعض المراكز يعود أيضاً إلى أزمة مالية لا تبتعد عن تجفيف الموارد عن الفلسطينيين، فنسبة العجز في جهاز الإسعاف وصلت إلى 45 في المائة العام الحالي، بينما الداعم الرئيسي وهي اللجنة الدولية للصليب الأحمر قلصت دعمها من 80 في المائة من ميزانية الإسعاف والطوارئ السنوات الماضية إلى 55 في المائة فقط الآن، فيما تصرف السلطة الفلسطينية بعد أزمتها المالية 50 في المائة فقط من مخصصات الجمعية.
ويرى المسعفون أن هذا التقليص في الساعات والمراكز والمركبات أدى إلى تقليص بمجمل رواتبهم بقيمة تقارب 720 شيقل، أي قرابة 200 دولار، من مرتب يتراوح بين 2800 و3500 شيقل (777- 970 دولاراً) إذا احتسبت علاوة المخاطرة وطبيعة المهنة وبدلات المواصلات، ولا يزيد عن 2000 شيقل (555 دولاراً) بالنظر إلى الراتب الأساسي فقط، الذي سيحتسب وفقه الراتب القاعدي.
وبالعودة إلى ما قبل الأول من مايو/ أيار، فإن نقابة الإسعاف والطوارئ ترى أنه لن يؤدي فقط إلى عودة تحسن وضعهم المادي، بل هو مهم لتقديم خدمة مناسبة للمواطن، ويرى الناطق باسم النقابة أسامة السويطي أن التقليص أدى إلى ضغط العمل على عدد أقل من المركبات، وأدى بذلك إلى بطء الاستجابة لنداءات الإسعاف بسبب انشغال المركبات المتوفرة. أما الجمعية فترد بأنها قامت بالتقليصات بناء على دراسة الاحتياج.
ويطالب المسعفون أيضاً بتطبيق قانون العمل الفلسطيني، وحل قضية التقاعد، وزيادة نسبة بدل المخاطرة إلى 50 في المائة بدلا من 40 بالمائة أسوة بالممرضين، وحل إشكالية درجات ومواصلات عالقة منذ عام 2011، وزيادة مركبات الإسعاف وتجديدها، وتطوير المراكز.