إسلاميو الأردن إلى المشهد السياسي من "كواليس" الشارع

23 يناير 2015
أنصار الإخوان المسلمين في الأردن (صلاح ملكاوي/الأناضول)
+ الخط -
تسعى جماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن، عبر ذراعها السياسي الممثل بحزب "جبهة العمل الإسلامي"، إلى خرق العزلة التي تعيشها، والعودة إلى المسرح السياسي الأردني عبر بوابة الشارع، وذلك ببث الروح في الحراك الاحتجاجي المطالب بالإصلاح، بعدما دخل مرحلة الموت السريري، منذ أكثر من عام.
في الوقت نفسه لا تريد الجماعة وذراعها السياسي، تصدر المشهد الاحتجاجي المأمول عودته، كي لا تجد نفسها من جديد في صدام مباشر مع السلطة يزيد من خسائرها السياسية. إضافة إلى أنّها لا تريد أن تبدو بمظهر التنظيم الضعيف والمعزول، لو عاد الحراك خجولاً وانتهى سريعاً، فاختارت لنفسها إستراتيجية العمل في الكواليس، وليس على خشبة المسرح.

ففي نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلن الأمين العام لحزب "جبهة العمل الإسلامي" محمد الزيود، في ختام مؤتمر خصصه للحديث عن الاعتقالات السياسية، عزم الحزب على الدعوة لملتقى وطني للحراكات المطالبة بالإصلاح، للاتفاق على خطوات المرحلة المقبلة، لكن في 17 يناير/ كانون ثاني الجاري، عقد الملتقى الوطني، وكان الحزب مستضيفاً له ومشاركاً فيه لا راعياً أو داعياً، بحسب ما أعلن الزيود.
وجاء الملتقى الذي استضافه الحزب في مقرّه الرئيسي، تلبية لدعوة وجهتها "تنسيقية حراك أربد"، التي تضم في عضويتها مجموعة من الحراكات القائمة على اعتبارات مناطقية وعشائرية، وهي الدعوة التي لبّاها 37 حراكاً يقوم على أسس مناطقية وعشائرية أيضاً، وسط غياب واضح ومتوقع للقوى والأحزاب والتجمعات الشبابية القومية واليسارية، وحضور قوي لجماعة "الإخوان"، وذراعها السياسي كجسمين منفصلين، من خلال مكتبها الشبابي وتجمعها الإصلاحي.

وفي افتتاح الملتقى الذي جرى وسط تمترس كل حراك خلف مسمَّاه الذي كُتب على لافتة وُضعت أمام وفده، وتغزل كل حراك بمنجزاته وتضحياته، ودفاعه عن أهدافه وطموحاته، أكّد الزيود أن حزبه مستضيف وليس داعياً أو منظماً معلناً، وأنه وضع فروع الحزب ومكاتبه وكوادره تحت تصرف أي عمل وطني حراكي يخدم مصالح الشعب الأردني.

وفي رسالة للغائبين (اليساريين والقوميين)، حلفاء الأمس في المطالبة بالإصلاح، فرقاء اليوم على خلفية تباين وجهات نظرهم مع الإسلاميين تجاه القضية السورية، قال الزيود "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه"، وهي الرسالة التي لم تصل، أو تلقى آذاناً صاغية.
وتقول أمين عام حزب "الشعب الديمقراطي" الأردني (يساري) عبلة أبو علبة، إن تحديد آليات المطالبة بالإصلاح يجب أن تكون بقرار ناتج عن مجموع القوى الوطنية، لا من قرار فئوي.
ويشكّل حزب أبو علبة مع خمسة أحزاب معارضة، ما يسمى "ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية"، وهي تؤكد على موقف الائتلاف المطالب بإصلاح النظام وعلى ضرورة مواصلة تلك المطالب، لكنها تشير إلى أن الائتلاف لم يدرس خيار العودة إلى الشارع بهدف المطالبة بالإصلاح.
وتغمز أبو علبة من "الإخوان" وحزب "العمل الإسلامي"، بالقول إنه "يجب ألا يوظف الحراك الشعبي لخدمة أغراض فئوية خاصة، وعناوين لا علاقة لها بالإصلاح".

وتمخض الملتقى الحراكي الذي عقد على جلستين، الأولى مفتوحة والثانية سرية، عن تنسيقية للحراك الإصلاحي في الأردن، تضم الحراكات التي حضرت الملتقى وتفتح الباب أمام الحراكات التي لم تحضر أو تلك التي ستتشكل في المستقبل، وهي التنسيقية التي ستعمل على بلورة موقف موحد للحركات المتعددة، ينعكس في شكل حركتها المستقبلية في الشارع.

وفي الوقت الذي يُنظر إلى التنسيقية الوليدة، كحدث هام وإن جاء متأخراً، يحتاج الرهان على نجاحها إلى كثير من التروي، في ظل فشل تجربة مماثلة في الشكل، دون المضمون الذي كان أكثر نضجاً، وهي "الجبهة الوطنية للإصلاح"، التي تشكلت في لحظة أوج الحراك الاحتجاجي، وترأسها رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات.
وتشكّلت الجبهة في منتصف العام 2011، كإطار جامع انضوت تحته أحزاب ونقابات وشخصيات وحراكات شعبية وشبابية، بهدف الضغط من أجل إصلاح النظام وفقاً لخطة إصلاحية مكتوبة ومتوافق عليها، لتحقق زخم في الشارع، ما لبث أن بدأ بالتراجع رويداً إلى أن  تحولت الجبهة إلى مجرد مُسمَّى لا وجود له على الأرض.

ويقول فهمي الكتوت الذي شغل مهمة الناطق باسم الجبهة عن نشأتها "جاءت في ظروف سياسية كانت فيها جميع القوى مجمعة على مواقف وأهداف محددة". وعن أسباب الفشل يشير إلى أن الصراع الذي نشأ بين التيار الإسلامي من جهة، والقومي واليساري من جهة أخرى، على خلفية مواقفهم من الربيع العربي، وانشغالهم بالقضايا الخارجية على حساب قضايا الإصلاح المحلية، انعكس على الجبهة.   
ويعتقد الكتوت أن التنسيقية الوليدة للحراكات تأتي ضمن محاولة الحركة الإسلامية (الإخوان وحزب جبهة العمل الإسلامي) لاستعادة دورها في السياسية الأردنية، من خلال استعادة حضورها في الشارع.
عودة الحراك الاحتجاجي المطالب بالإصلاح، لها ما يبررها؛ فعامان من الاحتجاجات (2011 و 2012) لم تؤد إلى تحقيق الحد الأدنى من مطالب المحتجين، كما أن صمتهم وخروجهم من الشارع لم يحقق مطالباتهم عبر خطة الإصلاح المتدرج التي اعتمدها النظام. كل الظروف مهيأة لكن في حال التأم شمل الفرقاء، وتوافقوا على برنامج عمل يفصل القضية الداخلية عن القضايا الخارجية، معتبرين الإصلاح خطة إستراتيجية ضمن رؤى وأهداف واضحة، لا خطة تكتيكية.  
المساهمون