إسقاط الولاية... إسقاط الأسرة

22 سبتمبر 2016
+ الخط -
لما يزيد عن الشهرين، والجدل حول ولاية الرجل على المرأة في السعودية مستمر، مع إطلاق منظمة هيومن رايتس ووتش وناشطين سعوديين حملةً لإسقاط ولاية الرجل على المرأة عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر. وانعكست الحملة على الصحافة السعودية التي تناولت الموضوع بتقارير وتحقيقات ومقالات، مؤيدة في غالبها.
ربما حملت لافتة "إسقاط ولاية الرجل" بعداً دينياً غير مقصود، عندما تقرأ تفاصيل مطالبات القائمين على الحملة، فتجد أن جل المطالبات تتعلق بإنهاء تمييز أجهزة الدولة ضد المرأة، وأغلب هذا التمييز ينطوي على مشكلاتٍ تتعلق بأجهزة الدولة البيروقراطية.
تطالب الحملة، على سبيل المثال، بإلغاء شرط ولي الأمر فيما يتعلق بإصدار الوثائق الرسمية (جواز السفر تحديداً) والسفر (حرية التنقل) والسماح للنساء بإدارة حياتهن بعيداً عن "أولياء أمورهن" فيما يتعلق بالتعليم والصحة والعمل...إلخ. إذ تشترط الجامعات موافقة ولي الأمر عند القبول بالجامعة، أو عند الانتقال من قسم إلى آخر، وتطلب المؤسسات الخاصة موافقة ولي أمر المرأة عند التوظيف، وبعض المستشفيات تطلب الأمر نفسه عند معالجة النساء ..إلخ. بل تصل أوضاع بعض النساء إلى طرق مسدودة، عندما يكون الخلاف كبيراً بينهن وبين أولياء أمورهن. وهنا، تأتي قضايا تتعلق بالزواج (والمقصود عضل المرأة، أي أن يمنعها ولي أمرها من الزواج)، والميراث، والخروج من دار الإيواء أو السجون بعد انتهاء المحكوميات، فهنا يكون الخلاف بين الفتاة ووليها ظاهراً ويصعب تجاوزه، وتفضل أسر كثيرة أن تبقى بناتهن في السجن على خروجهن، بما يحمله هذا الأمر من نظرة سلبية في المجتمع للفتاة وذويها.
تدرك أجهزة الدولة السعودية، ولا سيما الجهاز القضائي، تماماً مشكلات التعسف التي تتعلق بالزواج والميراث والإفراج من السجون ..إلخ. لذا، يتدخّل فعلاً لنقل ولاية المرأة من قريب إلى آخر، لإنهاء هذا التعسّف. لكن، من الواضح أن هذا التدخل غير كافٍ، لأنه لا يحدث إلا في الحالات القصوى، إذ يتم فقط عندما ترفع المرأة قضيةً في المحكمة ضد وليها، لتأخذ القضية مسارها الذي يطول غالباً ويتعقد. الأهم أن التدخل الذي يأتي لإصلاح خللٍ في القوانين، يلزمنا بإعادة التفكير في القوانين نفسها.
يمكن تلخيص مطالب الحملة بإعطاء النساء حقوقاً مساويةً للرجل، من أجهزة الدولة البيروقراطية. أي بتجريدٍ أكثر، أن تتعامل الدولة مع الجميع بوصفهم مواطنين، من دون تمييز بين رجل وامرأة في حالة السعودية. ومفهوم "المواطنة" هنا في صلب تعريف الدولة الحديثة، والتي تتعامل مع البشر تحت سيادتها مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، ولا تميز بينهم على أساس العرق أو الطائفة أو الجندر.
هناك، على الجانبين المؤيد والرافض للحملة، مبالغات كبرى حول علاقة "إسقاط الولاية" بين الدين وطبيعة الأسرة، فمن غير المتصوّر أن يؤثر إسقاط الولاية عن المرأة، فيما يتعلق بالصحة والتعليم والعمل ..إلخ على "الولاية الشرعية" التي تتعلق بالزواج على سبيل المثال، واعتبار الولي شرطاً لصحة الزواج (بتفاصيل ذكرها الفقهاء واستثنى منها فقهاء).
من ناحية أخرى، لن يؤثر إسقاط الولاية على الأسرة، بمعنى أن إلغاء القوانين التي تميز ضد المرأة، وإعطاءها وضعية قانونية مساوية للرجل أمام أجهزة الدولة، لن يؤثر بالسياق الاجتماعي للأسر، والذي يتفاوت من أسرةٍ إلى أخرى. فعلى الرغم من تغير أنماط الأسر في الولايات المتحدة الأميركية، على سبيل المثال، بشكل جذري، إلا أن الأسرة، بالمعنى التقليدي، ما زالت حاضرة ومؤثرة، بل تحظى بتمييز إيجابي في قوانين بعض الولايات الأميركية، فيما يتعلق بجوانب اقتصادية.
ونجد هذا في دول الخليج أيضاً، والتي تمتلك تركيبةً اجتماعيةً متطابقةً تقريباً مع السعودية، فإلغاء التمييز ضد المرأة لم يلغ الأسرة، ولم تتمرّد النساء، بمجرد إنهاء التمييز البيروقراطي ضدهن، كما أن الشباب لا يقومون بالتمرّد، على أسرهم، على الرغم من امتلاكهم استقلالية قانونية واقتصادية كاملة، بعد بلوغهم 21 سنة.
424F7B7C-113B-40E9-B0BD-EFA3B6791EB5
بدر الراشد

كاتب وصحافي سعودي