اقرأ أيضاً: سجن فرنسا.. خوف من الجالية المسلمة وعليها
وكان هولاند قد وعد، في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بتعميم سحب الجنسية عن الفرنسيين من أصول أجنبية الذين ولدوا في فرنسا والمتهمين بالضلوع في قضايا الإرهاب بعدما كان القانون يحصرها في الحاصلين على الجنسية الفرنسية المولودين خارج فرنسا، وذلك خلال خطابه التاريخي في قصر فرساي ثلاثة أيام بعد اعتداءات الجمعة السوداء أمام مجلس النواب بغرفتيه في قصر فرساي.
وفاجأ هولاند وقتها كثيرين، يساراً ويميناً، كون هذه الفكرة كانت مطلباً من اليمين المتطرف، الخصم السياسي الأساسي للاشتراكيين. غير أن المراقبين أدرجوا هذا الإعلان ضمن الأوضاع الاستثنائية التي عاشتها فرنسا بعد الاعتداءات وحرص الرئيس على إظهار الوحدة الوطنية في مواجهة الإرهاب.
وإذا كان اليمين بشقيه التقليدي والمتطرف صفق طويلاً لهذا الإعلان، فإن أصواتاً عديدة من العائلة اليسارية أبدت امتعاضها، ثم رفضها هذه الفكرة، وفي المقدّمة الزعيمة السابقة لحزب "الخضر" سيسيل ديفلو، التي اعتبرت هذه الفكرة خطأً سياسياً قاتلاً. في حين رأى زعيم جبهة اليسار النائب أندري شاسين، أنّ مبدأ إسقاط الجنسية ينمّ عن فكرة خطيرة وقاتلة، لأنها تربط حملة الجنسيات المتعددة من الفرنسيين، خصوصاً في صفوف المسلمين، بالإرهاب وتجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية.
وانتقلت عدوى الرفض سريعاً من صفوف "الخضر" وجبهة اليسار إلى الحزب الاشتراكي الحاكم والحكومة نفسها، مما جعل هولاند يشعر بإحراج كبير. وكانت وزيرة العدل كريستيان توبيرا سبّاقة في انتقاد الفكرة، واعتبرتها ضربة في الصميم لحق الأرض، الذي يمنح حق التمتع بالجنسية لأي شخص وُلد على التراب الفرنسي، وهو المبدأ الذي يُعتبر خطاً أحمر في أدبيات اليسار الفرنسي. وذهبت توبيرا إلى حدّ القول بكل ثقة، خلال زيارتها الجزائر إن "مشروع تعديل الدستور لن يتضمن إسقاط الجنسية". وهذا ما سيجعلها، الآن، في وضع ضعيف جداً داخل الحكومة، وقد تدفع ثمن ذلك غالياً في تعديل حكومي قريب.
وقد حاولت توبيرا تدارك هذا التناقض، وقالت، الثلاثاء، في ختام اجتماع مجلس الوزراء إن "الكلمة الفصل عادت في الأخير إلى هولاند، الذي حسم النقاش في نهاية المطاف".
واعتبر العديد من المراقبين أن مسألة إسقاط الجنسية تحولت إلى فخ سياسي لهولاند؛ فالتشبث بالفكرة سيضمن له تصويت غالبية من نواب اليمين وحتى اليمين المتطرف على مشروع تعديل الدستور لتشريع حالة الطوارئ التي تطبق حالياً بموجب قانون استثنائي، ويمكن الاحتجاج عليها أمام المجلس الدستوري. لكن الرئيس، في المقابل، سيجرّ عليه نقمة العائلة اليسارية من الخضر وجبهة اليسار والشيوعيين، وقسماً لا بأس به من النواب الاشتراكيين، الذين أبدوا معارضتهم الشديدة لإسقاط الجنسية.
وبغرض تمرير مشروع التعديل الدستوري، سيكون على الحكومة ضمان الغالبية من الأصوات في مجلسي النواب والشيوخ، وانتزاع نسبة ثلاثة أخماس الأصوات.
ومما لا شك فيه أن هولاند وفالس قاما بجردة حساب دقيقة، وقرّرا التضحية بعشرات أصوات المعارضين لتضمين إسقاط الجنسية في مشروع التعديل الدستوري، لضمان أصوات اليمين والوسط واليمين المتطرف الذين يؤيدون في غالبيتهم الساحقة فكرة إسقاط الجنسية.
ويتوقع أن تواجه الحكومة الاشتراكية حملة انتقادات عميقة من طرف العائلة اليسارية ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية. وترى الأخيرة في إقرار قانون إسقاط الجنسية في الدستور سيفاً مسلطاً على رؤوس أبناء الجاليات العربية والإسلامية من حَمَلَة الجنسية الفرنسية، الذين يعانون من هجمات غير مسبوقة تشكك في وطنيتهم واقتناعهم بمبادئ الجمهورية، خصوصاً بعد اعتداءات يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني الماضيين، والتي خلقت فجوة بينهم وبين بقية المجتمع الفرنسي.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الانتقادات تجاوزت قانون إسقاط الجنسية لتعبر عن رفض مشروع تعديل الدستور والمسعى الحكومي "لدسترة" حالة الطوارئ، خصوصاً على ضوء الانتهاكات الكثيرة في الآونة الأخيرة لأبسط الحريات المدنية والمداهمات العنيفة لأسباب غير محددة والمبالغة في فرض الإقامة الجبرية على أشخاص لا يمثلون تهديدات إرهابية.
وجاء الانتقاد الأكثر حدّة، الثلاثاء، من النائب الاشتراكي، بوريا أميرشاهي، الذي اعتبر "دسترة" قانون إسقاط الجنسية "تراجعاً مهولاً للديمقراطية الفرنسية وتجاوزاً لخط أحمر اشتراكي تاريخي". في حين أعلن العشرات من النواب الاشتراكيين والخضر في مجلسي النواب والشيوخ على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي اعتزامهم التصويت ضد مشروع القرار، معبرين عن خيبتهم الكبيرة وشعورهم بالعار أمام تبني الحزب الاشتراكي لمطلب يميني متطرف يكرس الهوة بين شرائح المجتمع الفرنسي.
اقرأ أيضاً: صعود اليمين المتطرف في فرنسا: إخفاق يميني ويساري