إسعاف السودان... حاجة فورية لعشرات مليارات الدولارات

13 يوليو 2019
الأسواق تحتاج فوراً لتأمين الطحين والأدوية والوقود (فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال الشعب السوداني على تفاؤله بتحسّن الأوضاع الاقتصادية في البلاد، على ضوء اتفاق قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي على تقاسم المجلس السيادي مناصفة، بعد مخاض عسير ومسار تفاوضي شاق. 

اقتصاديون أكدوا، لـ"العربي الجديد"، إيجابية الاتفاق وانسحاب أثره على معيشة الناس والاقتصاد عموماً.

وفي السياق، قال الخبير عادل عبدالعزيز، إن الاتفاق يؤثر إيجاباً في استقرار وانسياب الاستثمارات والعمل التجاري والمصرفي، متوقعاً تحرّك أصحاب رؤوس الأموال للعمل في الزراعة والصناعة والخدمات، بدلاً عن تجميد أموالهم في الأراضي والعقارات والذهب والدولار، لا سيما بعدما شهدت العملة الأميركية تراجعاً ملحوظاً في السوق الموازي.

ويُضاف إلى ذلك توجه المستثمرين إلى إعادة فتح بعض المصانع التي أُغلقت في الفترة الماضية، واستلام الأسر والعمال والموظفين الرواتب والحوافز، ما يؤدي، برأيه، إلى زيادة القوى الشرائية وتحريك الأسواق بعد جمودها.
وقال إن السلع الأساسية متوافرة بأسعار مرتفعة للغاية، وهذا ما يتطلب تدخلاً حكومياً لتنظيم الأسواق وإبعاد السماسرة، لافتاً إلى عجز الحكومات الولائية والمحليات عن السيطرة على الأسواق وجباية الضرائب بسبب الروح العدائية التي كانت تُواجَه بها السلطات الرسمية والموظفون العموميون، داعياً المواطنين إلى التعاون مع السلطات لإبعاد السماسرة والوسطاء وإعادة الأمور إلى نصابها.

والأسس التي تقوم عليها مبادئ حرية التجارة وتنظيم الأسواق وحماية المستهلك هي، كما قال، أُسس واحدة متفق عليها في مختلف دول العالم من خلال قوانين ومنظمات حماية المستهلك، لكن العبرة دائماً تكون بوجود الإرادة السياسية والسلطة التنفيذية القادرة على إنفاذ القوانين.

المحلل الأكاديمي عبد الله الرمادي قال، لـ"العربي الجديد"، إن من شأن الاتفاق النافذ منذ أيام أن يؤدي إلى استقرار سياسي واقتصادي وإعادة الاستثمارات الأجنبية والمحلية الهاربة، وعودة 20 رجل أعمال سودانيا يستثمرون حالياً في أوغندا، وإعادة اجتذاب المشروعات السودانية التي أنشأها سودانيون في إثيوبيا والبالغ عددها 1500 مشروع، تُقدّر استثماراتها بمليارات الدولارات، فضلاً عن تشغيل العمالة السودانية، بما يُسهم في إنعاش الاقتصاد وتحسين معيشة المواطن، وإعادة التعاونيات ومراكز البيع المخفّض في المدن والأحياء والأرياف.

ويؤدي ضعف حركة الاستيراد إلى انعدام كثير من السلع وارتفاع أسعارها وزيادة معدلات التضخم، كما يقول الرمادي. لافتاً إلى أن المناخ حالياً بات مواتياً لإطلاق نهضة اقتصادية، لا سيما أن الدول المانحة توقفت عن تنفيذ ما وعدت به في ملفات الوقود والقمح والدعم الخارجي، بانتظار اتضاح الرؤية في البلد.
كما دعا إلى توافق كامل في المستقبل، وحسن اختيار الكفاءات في هذه المرحلة الحاسمة، لتنتشل الحكومة القادمة البلد من حالة الانهيار. وأشار إلى ضرورة الاهتمام بوقف إهدار المال في الإنفاق الحكومي لتخفيف معدلات التضخم ولجم التهريب، والعمل بجدية وحرص في ذلك، خاصة ما يتعلق بتهريب السلع، وعلى رأسها الذهب، كما لا بد من إعادة النظر عاجلاً في "الاتفاقيات المعيبة" المبرمة سابقاً مع بعض المستثمرين.

مساعدات مرتقبة

أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة الخرطوم، صلاح الدين الدومة، توقع، في حديث لـ"العربي الجديد"، تلقّي السودان مساعدات وإعانات اقتصادية كبيرة من دول عربية وخليجية، خاصة من السعودية وقطر ومصر والكويت والإمارات وعُمان، وكذلك من الدول التي كانت تتسم علاقاتها بالتوتر مع النظام السابق.

وقطَع الدومة بصعوبة إجراء تقييم دقيق حول حجم الاحتياجات الفعلية من المساعدات للتغلب على أزمة السلع الأساسية والسيولة، إلا أنه ذهب إلى حاجة البلد في المرحلة الآنية إلى نقد أجنبي بقيمة 20 مليار دولار على شكل قروض ومنح وهبات خارجية، من أجل حل المشكلات الاقتصادية العاجلة.

كذلك، يحتاج السودان إلى مليارَي دولار سنوياً لسد عجز ميزان المدفوعات لشراء الطحين (الدقيق) وتوفير وقود يكفي 3 أشهر على الأقل، في شكل تمويل مادي أو عيني، بحسب الدومة، الذي أكد أيضاً أن 70% من الوقود المستورد كان يستغله نظام "الإنقاذ" للمركبات الحكومية التابعة لجهاز الأمن والأجهزة الموازية له من الدفاع الشعبي والأمن الشعبي وكتائب الظل.
في السياق، دعا الدومة إلى مجابهة مشكلة السيولة عبر ضخ دولارات في البنك المركزي، من خلال استقطاب قروض ومنح، والاستمرار في الطباعة إن استلزم الأمر، لتوفير السيولة للمواطنين على خط استعادة الثقة في النظام المصرفي السوداني.

وأكد الدومة أيضاً أهمية مراجعة كافة السياسات والقرارات والإجراءات السابقة التي اتخذها نظام البشير لحل بعض الأزمات الاقتصادية، خاصة منها تحجيم السيولة لحسم المضاربة بالعملات الأجنبية. لافتاً، في الوقت نفسه، إلى أهمية اقتراح المجلس العسكري وقوى الحرية حلولاً إسعافية لتوفير السلع الأساسية في الأسواق، من خبز وأدوية ووقود، للجم الضائقة المعيشية.
المساهمون