استنكار وغضب ورفض عام عبّر عنه فلسطينيو الداخل تجاه فرض السلطات الإسرائيلية تدريس قانون القومية اليهودية العنصري التمييزي لطلاب المدارس العرب في المرحلة الثانوية بدءاً من العام المقبل، كجزء من المنهاج التعليمي الرسمي لموضوع المدنيات وللتحضير لامتحانات البجروت (التوجيهي).
وجاءت هذه الخطوة بقرار من وزير المعارف الإسرائيلي، رافي بيرتس، الذي ينتمي لتحالف أحزاب اليمين المتطرف والمستوطنين، والّذي أكّد أنه سيتم تدريس قانون القوميّة بكافة بنوده، واعتماده القانون كمادة أساسية لامتحان "البجروت"؛ أي النهائي التوجيهي للطلاب العرب.
وسنّ قانون القومية اليهودية في الكنيست الإسرائيلي في يوليو/ تموز 2018. وفي هذا الإطار استطلع "العربي الجديد" آراء عدد من المعنيين بالشأن التعليمي من فلسطينيي الداخل، وتأثير ذلك على الهوية الفلسطينية، لا سيما لدى الأجيال الناشئة.
وقال المدير العام لمركز "مدى الكرمل"، مهند مصطفى، لـ"العربي الجديد": "يندرج إدخال قانون القومية في منهاج المدنيات ضمن الأجندة اليمينية الدينية التي تحاول فرض رؤيتها لفكرة الدولة والحقوق داخل منهاج التعليم، لا سيّما في جهاز التعليم العربي. وقانون القومية أيضاً يتماشى مع منهاج المدنيات في التعليم العربي الذي يؤكد مفاهيم قانون القومية مثل يهودية الدولة وفوقيتها على ديمقراطيتها، وعلى مسألة ترابية الحقوق بحيث يتمتع اليهود بحقوق قومية جماعية وحق تقرير المصير فيما يكتفي العرب بحقوق فردية فقط، إذن قانون القومية هو الأساس القانوني والدستوري أصلاً لمنهاج المدنيات في المدارس العربية، المنهاج الذي يسمى في دول أخرى منهاج المواطنة".
وأضاف: "يبقى أن إدراج القانون ضمن المنهاج غير كونه أساساً للمنهاج، يندرج أيضاً ضمن سياسات الاستهتار التي تتبعها وزارة التعليم الإسرائيلية تجاه الطلاب العرب وهويتهم، فهي تفرض عليهم تعلم قانون ومنهاج يهينانهم ويهينان وعيهم ويستخفان برؤيتهم لذاتهم الفردية والجماعية على أنهم سكان البلاد الأصليون، ومجموعة قومية لها الحق في التمتع بحقوق جماعية".
بدوره، دعا عضو لجنة التربية البرلمانية من القائمة المشتركة للمعلمين العرب، يوسف جبارين، في حديث لـ"العربي الجديد" إلى رفض الامتثال لتدريس القانون، معتبراً أن "كل محاولة بائسة لإدخال الأيديولوجيا العنصريّة والفوقيّة اليهودية التي يُعبّر عنها قانون القومية إلى مناهج التعليم ستلاقي رفضاً قاطعاً من طرفنا، وسندعو كل المعلمين إلى رفض الامتثال لتدريس مضامين هذا القانون العنصري".
وأضاف: "من بالغ السخريّة ومنافٍ للعقل ولكل منطق أن يحاول وزير التربية الإسرائيلي تدريس طلابنا وطالباتنا مضامين تربويّة قهريّة تُرسّخ من دونية مواطنتهم وتضعهم في أسفل التدريج الهرمي للمواطنة الإسرائيلية. القانون جاء ليقول لأصحاب البلاد الأصليين أنهم يعيشون في بلادٍ ليست لهم، وهذا يتنكّر للتاريخ وللحقائق ولروايتنا الوطنية والتاريخ".
واعتبر أن "تعليم الجيل الشاب يجب أن يرتكز على مفاهيم الديموقراطيّة، والمساواة والعدالة الاجتماعية، وفي حالتنا، كنا وما زلنا نطالب باستقلالية جهاز التعليم العربي وصياغة مضاميننا التربويّة بأنفسنا كبديل عن محاولات تشويه المناهج وصهينتها الّتي ترافق منظومة التربية والتعليم".
وعن إشكالية تدريس القانون القومية اليهودية قالت معلمة مادة المدنيات، نيفين أبو رحمون، وهي نائبة سابقة من حزب التجمع الوطني الديموقراطي: "هنالك إشكالية جديّة في بنية منهاج المدنيات والتي هي جزء من مسار سياسي تتبعه وزارة التعليم لفرض الرّواية الصهيونيّة على طلابنا".
وأضافت في حديثها لـ"العربي الجديد" أنه "ضمن هذا المنهاج ومنذ سنوات هنالك جزء تعليمي أساسي يمررّ عن يهوديّة الدّولة وانعكاسها من خلال القوانين والمؤسسات، والتي بدورها تخلق شعوراً بالغربة بين مادة التدريس والطالب الفلسطيني، هي بعيدة كل البعد عن واقعه، وهُويّته، وقضيّته، بل تعمل على طمس عالمه الخاص المرتبط في الرواية الفلسطينية".
وتابعت "القديم الجديد الآن هو أنّ قانون القومية دُرّس سابقاً بشكل نظري واليوم يأتي على شكل قانون تم إقراره، وخطورة الحال في تمرير هذا القانون أولاً في تثبيت الرواية الصهيونية وثانياً في ازدياد منسوب الغربة لدى الطالب الفلسطيني، بالإضافة إلى المعنى السياسي من وراء هذا القانون وهو نسف كامل لحق تقرير مصير الشعب الفلسطيني، والتغاضي عن قيم ديموقراطية قد تكون شكليّة ولكنها ضمن المنهاج تفقد معناها أيضاً، مثل المساواة ، وهو انتزاع حق لنا كأصحاب البلاد".
وشددت "نحتاج فعلاً إلى نضال مستمر ضد ما يدرّس في المدنيات وغيره، وبطبيعة الحال هنالك مسؤولية كبيرة على المعلمين والمعلمات، في انكشاف الطالب على روايته الفلسطينية ووضع قانون القومية المطروح وكلّ المنهاج في سياقه الصحيح".
من جهته، قال رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، شرف حسان، في لقاء مع "العربي الجديد": "إن إضافة قانون القومية إلى مادة المدنيات ليست مفاجئة، فمنهاج وكتب المدنيات الحالية يعكسان ما جاء في قانون القومية حتى قبل سنّه في الكنيست العام الماضي، مثلما هو الحال مع مواضيع التدريس المختلفة. فالمشكلة ليست فقط في المدنيات بل في معظم المواضيع. وإدخال القانون والتوجه التلقيني لتدريسه هو تصعيد لتعميق المضامين الصهيونية للمدارس العربية التي تهدف إلى تنشئة جيل خانع ومستسلم من العرب يتقبل مكانته الدونية، وفكرة أن بلادنا تتبع لشعب آخر وكأن العرب غرباء في وطنهم".
وأضاف "تعميق المضامين الصهيونية وتقليص الحيز الديمقراطي في التعليم يجعلان من جهاز التعليم أداة لغسيل الدماغ ويعمقان من حالة الاغتراب في المدارس. وتجاهل احتياجات مجتمعنا العربي الفلسطيني، بالذات في مجال التربية للانتماء والهوية الوطنية، يزيد من الأزمة التي يعيشها جهاز التعليم ويجعل هذا الجهاز عاجزاً عن القيام بدوره في مجابهة مشاكل اجتماعية كظاهرة العنف. لذلك ترفض لجنة متابعة التعليم العربي إدخال قانون القومية كما تطرحه وزارة التعليم الإسرائيلية وتعمل على مواجهة هذه الخطوة".