إسرائيل تحتال على حملات المقاطعة بتمور "مغربية"

25 أكتوبر 2016
تمور "مدجول" ذات سمعة حسنة في أوروبا (العربي الجديد)
+ الخط -
تحتال الشركات الإسرائيلية على حملات المقاطعة الاقتصادية الناشطة جداً في أوروبا، خصوصاً هولندا، من أجل بيع منتجات المستوطنات. تستخدم في ذلك عدة طرق، منها الادعاء بأن المنتجات صادرة عن بلدان أخرى كالمغرب

شهدت السنوات الأخيرة في أوروبا، توسعاً في مقاطعة البضائع الإسرائيلية. انضم عدد من الناشطين والمنظمات في هولندا إلى الحملة التي تركز جزءٌ كبير منها على مقاطعة منتجات المستوطنات، خصوصاً الزراعية، وتنظيم حملات توعية في صفوف المستهلكين في البلاد. في شهر رمضان مثلاً، يتحرك ناشطو المقاطعة بالترافق مع ارتفاع معدل استهلاك التمور بين مسلمي هولندا الذين يتجاوز عددهم المليون.

بعض منتجات المستوطنات يشار بوضوح إلى كونها إسرائيلية، وبعضها الآخر لا يوضح، خصوصاً إذا كانت من مستوطنات الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، للتهرب من عقوبات أوروبية، أو ببساطة لخداع المستهلكين الذين قد يرفضون شراء تلك المنتجات في حال التصريح عن مصدرها.



وعلى الرغم من الدعم التسويقي للبضائع ذات المنشأ الإسرائيلي لدى بعض متاجر البيع بالتجزئة التي لا تخفي دعمها وتأييدها لتل أبيب، إلا أنّ لمنتجات المستوطنات محاذير وعواقب قانونية في أوروبا، بوصفها بضائع آتية من الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تعتبر في القانون الدولي "غير شرعية". لكن، لا تنعدم وسائل تلافي تلك المحاذير وتحقيق الغاية المنشودة بمساعدة الاحتلال في تسويق منتجاته التي يُسرَق بعضها من أراضي الفلاحين الفلسطينيين الذين لا يتمكن معظمهم من رعايتها وجني محاصيلها.

وبهدف تجهيل مصدر تلك المنتجات لتضليل المستهلك، تلجأ الشركات المصدّرة والمستوردة إلى حيل، من بينها تحويل المنتجات إلى محطة ترانزيت قد تتحول إلى بلد للإنتاج وليس العبور فقط، أو الإشارة إلى كون المنتج عائداً إلى شركات متعددة الجنسية، وآتياً من مناطق جغرافية متنوعة. فتمور "مدجول" المنتجة في مستوطنات الأغوار على سبيل المثال، قد تصبح جنوب أفريقية أو من الصحاري الأميركية. لكنّ المصادر الإسرائيلية نفسها تشير إلى كون ثلاثة أرباع تمور "مدجول" منتجة في "الصحاري الإسرائيلية". ووفقا للمصادر الإسرائيلية نفسها، فإنّ دولة الاحتلال تستحوذ على هذه السوق العالمية بنسبة تتراوح ما بين 65% و75%. ويعتقد حتى أنّ تلك الحقول في جنوب أفريقيا -إن وجدت- يملكها أفراد أو شركات إسرائيلية.

في الوقت نفسه، يبدو أنّ صدى حملات المقاطعة والتوعية لم يصل إلى شريحة واسعة من متاجر البيع بالتجزئة الصغيرة، التي يديرها أفراد أو عائلات يفترض تحررهم من سطوة الشركات الكبرى التي تسوّق تلك المنتجات بغية الربح أو دعم دولة الاحتلال.

"العربي الجديد" رصدت بضائع إسرائيلية على رفوف متاجر بيع منتجات الحلال وغيرها. بعض التمور حملت تعريفاً إسرائيلياً واضحاً، والبعض لم يحمل. ما يلفت النظر هو دراية أصحاب أو مديري تلك المتاجر بهوية البضاعة ومصدرها. فمع السؤال عن مصدر التمور في أحدها، قال البائع أولاً إنّها جنوب أفريقية، ثم ما لبث أن أعلن عن كونها فلسطينية، قبل إقراره أنّها "على الأرجح إسرائيلية" وبكونه تعرّض إلى خداع المصدّر الجنوب أفريقي. ما يلفت في هذه الحادثة رد فعل المتسوقين داخل المتجر، وفي غالبيتهم من اللاجئين السوريين. وكان أحدهم قد أوصى البائع مسبقاً على كمية كبيرة من التمر بغية إعداد حلويات العيد، فسارع حين علم بقصة التمور الإسرائيلية أن تكون طلبيته بعيدة عن كلّ ما له علاقة بالبضائع الإسرائيلية. وهو طلب كرره أكثر من متسوق داخل المتجر.

في مكان آخر لبيع اللحوم الحلال والمنتجات الشرقية والمغربية، فهم البائع مغزى السؤال عن مصدر البرتقال في متجره، فأشار فوراً إلى أنّه إسباني ومغربي، وأنّ البضائع الإسرائيلية غير مرحب بها لديه. وبعد جولة على رفوف التمور كانت تمور المدجول (المعروفة بالمجهول أيضاً) هناك، لكنّه أشار إلى أنها آتية من المغرب، وأنّ أصل تمور الاحتلال مغربي. كذلك، أشار إلى أنّ تمور المدجول عموماً من أكثر الأنواع طلباً واستهلاكاً، خصوصاً خلال السنوات الماضية، مع أنّ التمور التونسية والجزائرية تتمتع بسمعة جيدة أيضاً.

من الواضح أنّ هامش الربح الواسع والجودة التي تحظى بها تلك التمور هما ما يدفع أصحاب تلك المتاجر إلى التخلف عن دعوات المقاطعة. فمن جهة، هم كأفراد، متعاطفون ومتضامنون مع فلسطين وقضيتها ربما، لكن بالنسبة إلى طبيعة مجتمع رأسمالي فإنّ تحقيق أوسع هامش من الربح يأتي أولاً، وتليه القضايا الكبرى والتضامن معها.

أساليب الخداع والتضليل لا تتوقف فقط عند تجهيل مصدر منتجات الاحتلال، ففي حالات سابقة ابتاعت شركات إسرائيلية كميات كبيرة من التمور الجزائرية ذات الجودة العالية وأعادت تعبئتها وتسويقها في أوروبا تحت اسم "النبي سليمان". كذلك، فإنّ منتجات الاحتلال الزراعية المتعددة في المتاجر الكبرى للبيع بالتجزئة في هولندا، تتضمن منتجات اللحوم المصنّعة التي تربي قطعانها في مستوطناته في الضفة الغربية.