إسرائيل تتجه للجنوب استعداداً "لما بعد الحقبة الأميركية"

11 مايو 2014
يرحّب الصينيون بزيارة ثانية لبيريز (Getty)
+ الخط -
يستعدّ وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيجدور ليبرمان، الشهر المقبل للقيام بجولة واسعة في أفريقيا، ويتبعها بجولتين في أميركا الجنوبية وجنوب شرق آسيا، بموازاة حراك دبلوماسي إسرائيلي، يستهدف دول العالم.

ويمثل التحرك الدبلوماسي الإسرائيلي النشط، نتاج التحوّل الذي أدخله ليبرمان، بشكل خاص، على العقيدة التي حكمت السياسة الخارجية الإسرائيلية لعقود، والتي انطلقت من الرهان على مخرجات التحالف مع الولايات المتحدة. ومنذ أن عاد ليتبوأ منصب وزير الخارجية من جديد قبل سبعة أشهر، أوضح ليبرمان أن "إسرائيل مطالبة بالاستعداد لمرحلة ما بعد الحقبة الأميركية".

وتقوم عقيدة ليبرمان ببساطة على "ضرورة مسارعة إسرائيل في تجنيد أكبر عدد من الحلفاء في جميع أرجاء العالم، لا سيّما الدول المعنية بالحصول على الخبرات الإسرائيلية في مجال التقنيات المتقدّمة، بشقيها العسكري والمدني والزراعة وغيرها، مقابل تعهّد هذه الدول بدعم مواقف إسرائيل في المحافل الدولية".

وغداة عودته إلى منصبه كوزير خارجية، وأمام مؤتمر اقتصادي عقد في مستعمرة سديروت في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، توقع ليبرمان "تقلّص التقاء المصالح بين تل أبيب وواشنطن في المستقبل، بسبب الاختلاف في طابع التهديدات والتحديات التي ستواجه الطرفين"، وهذا ما سيفضي، حسب تصوّره، إلى تراجع مستوى العلاقة مع الولايات المتحدة.

وتهدف العقيدة الدبلوماسية الجديدة إلى تحقيق هدفين استراتيجيين أساسيين: الأول حشد أكبر قدر من الدعم الدولي لمواقف إسرائيل، من قضايا تؤثر بشكل جوهري على أمنها "القومي"، مثل البرنامج النووي الإيراني، وقبول فلسطين في هيئات الأمم المتحدة المختلفة، وغيرها.

والثاني تكثيف التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخبارية، في مجال محاربة الحركات الجهادية، اذ تفترض إسرائيل أن المستقبل سيشهد محاولات من هذه الجماعات للمسّ بمصالح إسرائيلية ويهودية في الكثير من مناطق العالم.

وأوضح ليبرمان، بشكل لا لبس فيه، أنه "ليس وارداً لدى إسرائيل محاولة استمالة الدول التي تحصل على الدعم المالي من الدول العربية، على اعتبار أن إسرائيل لا يمكنها أن تنافس الدول العربية في هذا المجال، لكنها في المقابل ستكون معنية بشكل أساسي بمحاولة بناء الجسور مع الدول المعنية بالحصول على التقنيات الإسرائيلية المتقدمة".

ويكشف تقرير، نشره موقع "يسرائيل بوليس" في الأول من مايو/ أيار الجاري، النقاب عن مبادرة إسرائيل لعرض مخططات تعاون على عدد من الدول الأفريقية، تتعلّق بتوظيف التقنيات الإسرائيلية في مجال الزراعة والمياه والتنمية الريفية وغيرها، بهدف توثيق العلاقات مع هذه الدول.

واستناداً إلى استغلال لغة المصالح، حرصت إسرائيل على توظيف "عطش" الصين للخبرات الإسرائيلية في مجال التقنيات المتقدمة في تعزيز العلاقات الاستراتيجية معها؛ فنظراً إلى مكانة الصين الدولية المهمة، كعضو دائم في مجلس الأمن، فإنّ إسرائيل تسعى بلا كلل الى تعزيز العلاقات معها.

وقد أصدر رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تعليماته لكل قطاعات البحث العلمي في مختلف المجالات لتعزيز العلاقة مع الصين. ووصل الأمر إلى حد اتفاق إسرائيل مع الحكومة الصينية على تدشين مشروع مشترك، لإقامة "مجمع للصناعات الإبداعية" في مدينة نين كزون الصينية (جيروزاليم بوست، 24/12/2013).

وفتحت إسرائيل المجال أمام المستثمرين الصينيين لشراء نسب كبيرة من الأسهم في شركات التقنية الرائدة في إسرائيل، لدرجة دفعت "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي للتحذير من خطورة هيّمنة الصينيين على شركات التقنية.

ويبدو أن الصينيين اكتشفوا عوائد العلاقة مع إسرائيل، وبدأوا بممارسة ضغوط كبيرة على سفير إسرائيل لدى بكين، متان فلنائي، لإقناع الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، بالقيام بزيارة رئاسية ثانية للصين، قبل انتهاء فترة رئاسته بعد أشهر عدة. فبيريز لعب دوراً رئيساً في تعزيز مجالات التعاون في المجال التقني (إسرائيل اليوم، 19/2/2014).

كما كال وزير الخارجية الصيني، وان غيي، في زيارته الأخيرة إلى تل أبيب، المديح لليهود وإسرائيل لدرجة الابتذال، إذ قال: "العقل اليهودي والمحرّك الصيني يفعل العجائب". ولم يتردد، وهو ممثل الدولة الشيوعية الأكبر في العالم، في زيارة "حائط المبكى" واعتمار القبعة الدينية اليهودية.

ومن الواضح أن أهم عائد تترقبه إسرائيل من تحسّن علاقاتها بالصين، هو ضمان دعم بكين لمواقف إسرائيل من البرنامج النووي الإيراني، وهذا ما يفسر الزيارات المتتالية التي يقوم بها مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، يوسي كوهين، لبكين، والتي تبحث هذه القضية على وجه الخصوص.

وإن كان لا خلاف على أن القلق من تراجع مستوى العلاقات مع واشنطن مستقبلاً هو الذي يحث الصهاينة على البحث عن حلفاء جدد، فإن النخب الإسرائيلية ترصد عوامل عدة ترى أنها قد تؤدي إلى تراجع العلاقة مع واشنطن: الأولى متعلقة بتراجع دور الولايات المتحدة الأميركية الإقليمي والعالمي، في ظل مَيْل إدارة الرئيس، باراك أوباما، لتقليص تدخلاتها في الأزمات العالمية، مع العلم أنّ إسرائيل جنت عوائد استراتيجية كبيرة من فاعلية التدخل الأميركي في الشؤون العالمية والإقليمية.

ويرى مدير "مركز بيغن ـ السادات للدراسات الاستراتيجية"، التابع لجامعة "بار إيلان"، إفرايم عنبار، أنّ "فاعلية الدور الأميركي في شؤون العالم، جعل الكثير من دول العالم تسعى إلى تحسين العلاقة مع إسرائيل، على اعتبار أنّ الطريق إلى واشنطن يمر في تل أبيب".

والثانية مرتبطة بانتقال الثقل الأميركي من الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا بفعل الاعتبارات الاقتصادية الأميركية، يساهم في تباعد واشنطن وتل أبيب، على أن الأهم يتمحور في استغلال الولايات المتحدة للنفط الصخري، وتمكُّنها في العام 2016 من الاكتفاء ذاتياً من النفط والغاز، ما سيُقلّص من اهتمام واشنطن بمنطقة الشرق الأوسط مستقبلاً.
المساهمون