إستراتيجية أميركا الجديدة بالعراق: إعادة إحياء الصحوات

13 يونيو 2015
سيكون للعشائر دور مهم في الاستراتيجية الجديدة (فرانس برس)
+ الخط -

تؤشر أغلب تصريحات القادة والمسؤولين الأميركيين فضلاً عن العراقيين، إلى أن التعديل الجديد والكبير بالوقت نفسه في الإستراتيجية الأميركية لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق، هو الأكثر جرأة منذ نحو عام على غزو التنظيم مساحات واسعة من العراق وفرار قوات الجيش من أمامه، لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل العنف الدامي في البلاد. ويأتي التعديل الجديد بعد أيام قليلة من اجتماع الرئيس الأميركي باراك أوباما مع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، وسقوط محافظة الأنبار وبلدات قريبة من بغداد بيد "داعش".

وكشف قادة بارزون في هيئة رئاسة أركان الجيش العراقي في بغداد، لـ"العربي العربي"، عن أن الخطة الأميركية الجديدة تشتمل على ثلاثة محاور مهمة وافق العبادي على اثنين منها، فيما لم تُطلب موافقته على المحور الثالث.

وقال ضابط رفيع في هيئة رئاسة أركان الجيش، لـ"العربي الجديد"، إن "المحور الأول وهو الأبرز، ينصّ على البدء بتسليح 14 عشيرة سنّية غرب وشمال العراق كمرحلة أولى وتسليم ملفها للقوات الأميركية، على غرار ملف الصحوات الذي تسلّمته القيادة العسكرية الأميركية في سبتمبر/أيلول عام 2006 حين تكفّلت بتسليح وتدريب الصحوات، وهم من أبناء العشائر السنّية في العراق، فضلاً عن دفع مرتبات شهرية لهم تراوحت ما بين ألفين وثلاثة آلاف دولار شهرياً". وأوضح أن أبرز تلك العشائر هي، الجبور والعبيد والجيسات والبوفهد والبونمر والجغايفة والبوعلوان والبوحمدان والبوعيسى، فضلاً عن قبائل في نينوى وصلاح الدين، لافتاً إلى أن تلك العشائر نفسها هي صلب القوات التي قاتلت تنظيم "القاعدة" عامي 2006 و2007.

وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن المحور الثاني هو اقتطاع المنطقة Z5 في قاعدة الحبانية، كبرى القواعد العسكرية في البلاد، واعتبارها نواة أساسية للتواجد الأميركي في العراق ومقراً أو غرفة إدارة العمليات العسكرية فيه. وتشمل تلك المنطقة مطار الهضبة العسكري والجناح الإداري للقاعدة وهو الجزء الأكبر من قاعدة الحبانية ويبدأ من بلدة سن الذبان (25 كيلومتراً غرب الفلوجة) وينتهي عند بحيرة الحبانية السياحية جنوباً.

وتضم القاعدة حالياً 311 جندياً وعسكرياً أميركياً مع ثلاث مروحيات، واحدة من طراز "تشينوك" المخصصة للنقل واثنتين قتاليتين من طراز "أباتشي". ومن المقرر رفع عديد تلك القوات إلى نحو 800 مقاتل مع التعديلات الجديدة في الخطة.

وأوضح المصدر أن الاميركيين استبعدوا من الغرفة المشتركة المعروفة باسم غرفة التنسيق المشترك (GCC) ستة ضباط عراقيين كبار لعلاقتهم بشخصيات في مليشيات "الحشد الشعبي" وقربهم من إيران، وتم استبدالهم بضباط آخرين جرى استدعاء اثنين منهم كانوا أحيلوا على التقاعد من قِبل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي عام 2011، مؤكداً أن الخطوات الأميركية المذكورة تتخذ طريقها بسرعة، وجرت الموافقة عليها من قبل العبادي خلال زيارته الأخيرة إلى ألمانيا ومشاركته باجتماعات قادة الدول السبع قبل أيام.

ولفت المصدر إلى أن العبادي تمكن من إقناع شركائه في "التحالف الوطني" بعد عودته إلى العراق وليس قبلها، لأنه تفاجأ بقائمة المطالب أو النقاط الأميركية التي طُرحت عليه، وذلك بعد فشل الحملة العسكرية على الأنبار وتلكؤ خطوات تحرير الموصل، وآخرها خسارة الحكومة أجزاء جديدة من تكريت ومحيطها بعد شهرين من تحريرها بسبب هجوم مقاتلي "داعش" وصعوبة الإمساك بالأرض.

أما المحور الثالث بالتعديل، فأكد الضابط نفسه أن الولايات المتحدة قررت رفع معدل ضرباتها الجوية في العراق ضد أهداف ومواقع "داعش"، وتخصيص مبلغ مالي غير معروف حتى الآن (بالنسبة للضابط) لتوزيعه كمكافآت للعراقيين في مناطق تواجد التنظيم لقاء إبلاغهم عن أي معلومات تتعلق بهذا الشأن، وحجز الرقم 103 على شبكة الهواتف الخلوية في العراق كرقم ساخن لتلقي الاتصالات لكن بشراكة مع الاستخبارات العراقية.

اقرأ أيضاً: واشنطن تنسّق مع فصائل الأنبار لقتال "داعش"

من جهته، قال ضابط آخر في قيادة العمليات المشتركة العراقية، إن "المعلومات التي لدينا تؤكد أن القوات الأميركية الجديدة التي قرر أوباما إرسالها ستتركز في الأنبار بشكل رئيس، وهم ليسوا بمستشارين كما الذين سبقوهم بل مقاتلون، وقد ينفذون مهمات نوعية خاصة مشابهة لمهمة قتل القيادي أبو سياف في سورية الشهر الماضي".

يأتي ذلك تأكيداً لتصريحات رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الخميس، من أن إرسال قوة جديدة للعراق وإقامة قاعدة عسكرية في الأنبار، يشكل تعديلاً للاستراتيجية الحالية ضد "داعش".

وقال ديمبسي في مؤتمر صحافي من مدينة نابولي الإيطالية، بحسب ما أورد موقع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إن "إرسال 450 عسكرياً أميركياً للعراق مع افتتاح قاعدة التقدّم (الحبانية) للتدريب في الأنبار، هي بمثابة تعديل للاستراتيجية الحالية ضد داعش"، معتبراً أن ذلك "سيُمكّن القوات العراقية من مواجهة التنظيم"، مشيراً إلى أن "القاعدة الأميركية الجديدة في العراق ستزيد من تواجد القوات الأميركية في محافظة الأنبار، وتسمح للمدربين بالعمل مع الفرقة الثامنة للجيش العراقي، مع تدريب وتسليح العشائر السنّية التي تريد مقاتلة تنظيم داعش".

ورأى ديمبسي، أن ذلك "التعديل الاستراتيجي ينطوي على أهمية كبيرة، إذ ستتمكّن القوات الأميركية من الوصول إلى فرقة عسكرية عراقية أخرى والعشائر في محافظة الأنبار"، لافتاً إلى أن "المستشارين الأميركيين سيتمركزون في مركز عمليات الأنبار الذي تديره الحكومة العراقية".

وأوضح أن "نجاح التجربة في الأنبار يتيح إمكانية تطبيقها في بقية المناطق في العراق"، متوقعاً "إقامة قاعدة أخرى من بغداد لتكريت، وثالثة من كركوك لتمر عبر الموصل"، معتبراً أن "القوات العشائرية ستساعد في تعزيز خطوط المواجهة ضد داعش ومسك الأرض بعد تحريرها". وتابع ديمبسي أن "إقامة القاعدة الجديدة ستستغرق وقتاً"، مستطرداً أن "عناصر من القوات الأميركية المتواجدة في الكويت، قد يتم نشرهم في القاعدة بعد إقامة مقرات القيادة والسيطرة فيها، وتهيئة منظومة قوة الحماية والبنية الاستخبارية".

وتعليقاً على هذا الموضوع، قال زعيم قبلي عراقي مناهض لتنظيم "داعش" يُدعى الشيخ ناظم الدليمي إن "وجود الأميركيين مقبول في الأنبار وباقي المناطق العراقية، وهو أفضل من الوجود الإيراني المقّنع بالمليشيات التابعة لها والحرس الثوري". وأوضح الشيخ الدليمي لـ"العربي الجديد"، أن "الأميركيين يمكن أن نثق بهم ونتعامل معهم على عكس المليشيات وايران، وجرّبنا ذلك معهم في السابق"، مشيراً إلى أن "الأميركيين سيتخذون من الأنبار نقطة انطلاق جديدة لكل العراق، وهذا يريحنا أكثر، فعلى الأقل هم لن يحرقوا المنازل ولن يسرقوا مكيفات الهواء وملابس الأطفال".

في المقابل اعتبرت مليشيا "الحشد الشعبي" موافقة العبادي على زيادة عدد القوات الأميركية ومنحها قاعدة الحبانية كمقر عسكري "خطأ كبيراً اتخذه من دون استشارة". وقال القيادي في "الحشد" جواد الموسوي لـ"العربي الجديد"، إن "العبادي لم يستشر أحداً ولم يعد إلى التحالف الوطني في هذه المسألة السيادية المهمة للبلاد، ونحن نرى ذلك خطأ كبيراً تم من دون استشارة لأي من الشركاء"، معلناً أن "هيئة الحشد الشعبي تدرس سحب قواتها من الأنبار لأنها لا يمكن أن تقاتل بمعية الشيطان الأكبر".

وكان المتحدث باسم مليشيا "العصائب" نعيم العبودي، قال في بيان إن "القرار ينطوي على شبهات عديدة ولا يصب في صالح العراق وله نوايا خبيثة"، مشدداً على "ضرورة ان تكف واشنطن عن ممارسات من هذا النوع والتي تستهدف سيادة العراق واستقراره".

وكشفت معلومات مسرّبة من أروقة "التحالف الوطني" عن وجود انقسام سياسي حاد داخل "التحالف" بسبب انفراد العبادي بقرار الموافقة على الخطة الأميركية الجديدة المعدّلة في العراق، وأكد برلماني عراقي بارز من "التحالف الوطني" ذلك، موضحاً أن "حراكاً واسعاً يجري في الجنوب وخصوصاً في محافظات بابل والبصرة والنجف، لتنظيم تظاهرات ضد العبادي خلال الأيام المقبلة، فيما يسعى الأخير لإفشالها بالاستعانة بمرجعيات دينية بارزة في النجف"، لافتاً إلى أن الحراك المعاكس يقاد من قبل غريمه السياسي نوري المالكي.

اقرأ أيضاً: 450 جندياً أميركياً إضافياً إلى العراق بموافقة أوباما

المساهمون