تعيش إسبانيا أزمة مفتوحة بسبب الفراغ السياسي وعدم التوصل إلى تشكيل حكومة جديدة. وتتجه الأنظار بقوة الآن إلى الملك فيليب السادس الذي عليه أن يقوم بدور الوسيط بين الأحزاب السياسية للتوصل إلى صيغة توافقية تُخرج إسبانيا من هذه الوضعية الاستثنائية وغير المسبوقة في تاريخها. وعلى الرغم من أن الملكية الإسبانية لا تتمتع سوى بدور رمزي في المملكة البرلمانية الإسبانية، ولا سلطة سياسية لها، فإن الملك فيليب مجبر على القيام بدور الحكَم بين الهيئات السياسية حسب الدستور، إلا أن عليه ألا يتدخل في الشأن السياسي ويلتزم الحياد. وكان الملك الإسباني قد بدأ دور الوساطة نهاية الشهر الماضي حين التقى بقادة الأحزاب السياسية لجس النبض ومحاولة ايجاد أرضية مشتركة تمهد لتشكيل حكومة ائتلافية، لكن مساعيه باءت بالفشل.
وأسفرت الانتخابات التي جرت في 20 ديسمبر/كانون الأول، عن برلمان بـ200 عضو جديد من بين أعضائه الـ350، إلا أن نتيجتها لم تمكّن أياً من الاحزاب من تشكيل حكومة جديدة ولم تتمخّض عن فائز حقيقي، بغالبية تتيح له حكم البلاد. وكسرت هذه النتائج بشكل قاطع مبدأ القطبية الحزبية القائم بين الحزبين "الاشتراكي" و"الشعبي" منذ 32 عاماً، وأدخلت بحكم شرعية صناديق الاقتراع قوتين سياسيتين جديدتين إلى البرلمان، هما حركة "بوديموس" اليسارية الراديكالية، وحركة "ثيودادانوس" الوسطية ذات الميول الليبرالية اليمينية.
وكانت آخر حلقة من مسلسل الأزمة السياسية المتواصلة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، شهدها الأسبوع الماضي، حين أفشل اليمين واليسار الراديكالي ممثلاً بحزب "بوديموس" تنصيب الاشتراكي بدرو سانشيز رئيساً للحكومة الإسبانية في التصويت الذي جرى بعد تسع ساعات من النقاش في البرلمان. وحصل سانشيز على 130 صوتاً بفضل نواب الوسط والحزب الاشتراكي مقابل 219 صوتاً معارضا من اليمين ومن "بوديموس" والاستقلاليين وامتناع نائب واحد عن التصويت.
اقرأ أيضاً: انتخابات إسبانيا بثلاثة رؤوس... و"بوديموس" يكسر الخارطة التقليدية
وقبل التصويت تعاقب على المنصة رئيس الحكومة المنتهية ولايتها اليميني ماريانو راخوي من الحزب الشعبي ومن ثم زعيم "بوديموس" بابلو ايغليسياس والقادة الاقليميون، لإعلان رفضهم ترشيح سانشيز الذي كلفه الملك فيليب السادس تشكيل الحكومة. وكان حزب "بوديموس" علّق المفاوضات مع الاشتراكيين الإسبان لتشكيل حكومة ائتلافية بعد اتفاق الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني مع حزب "ثيودادانوس" الليبرالي الوسطي حول برنامج رفضه "بوديموس".
واعتبر "بوديموس" أن الحزب العمالي الاشتراكي الإسباني دعم أيديولوجية "ثيودادانوس" الليبرالية في مجال حقوق العمل، وأن البرنامج لا يضمن حماية أكبر للعمال، في حين أن إصلاحاً لسوق العمل طبّقه اليمين في العام 2012 قلّص هذه الحقوق.
وأكد زعيم الحزب الاشتراكي بدرو سانشيز أمس الأول الأحد، أنه على الرغم من رفض النواب التصويت على حكومته، فإن حزبه سيحافظ على تحالفه مع "ثيودادانوس" وسيقومان سوية بمفاوضات مع الأحزاب الأخرى لإيجاد صيغة توافقية لحكومة ائتلافية. وانتقد ما سماه "الحقد الدفين" لزعيم "بوديموس" بابلو ايغليسياس تجاه الحزب الاشتراكي.
أمام هذا الواقع، يجد الملك الإسباني نفسه وسط حلبة ملاكمة ضيقة تنهال فيها اللكمات من كل جانب، ولا يتوفر على هامش مناورة يتيح له التقريب بين وجهات النظر المتناقضة بشكل جذري. وأمام الملك والأحزاب السياسية مهلة تمتد إلى 2 مايو/أيار المقبل، وفي حال عدم التوصل إلى تشكيل حكومة جديدة فسيتم تنظيم انتخابات تشريعية جديدة في شهر يونيو/حزيران المقبل. ويرى بعض المراقبين أنه حتى لو تم اللجوء إلى دورة انتخابية جديدة، فالإشكال سيبقى نفسه لأن الناخب الإسباني فَقَد الثقة بالحزبين التقليديين "الاشتراكي" و"الشعبي"، مع إظهار استطلاعات للرأي في الآونة الأخيرة أن الناخبين الإسبان سيدلون بأصواتهم بالطريقة نفسها في حالة جرت دورة انتخابية جديدة.
وبالإضافة إلى الفراغ السياسي، تعاني إسبانيا من كابوس آخر يتمثّل في رغبة إقليم كتالونيا بالانفصال وتحقيق الاستقلال. وكان رئيس الحكومة الكتالونية الجديدة أرتور ماس، أعلن في يناير/كانون الثاني الماضي، أن "مشروع استقلال كتالونيا الذي تم تقديمه للبرلمان الكتالوني أخيراً هو بمثابة إعلان رسمي لبدء مسار سياسي ينتهي باستقلال الإقليم. ويعتبر الملك الإسباني أن التحدي الحقيقي الذي تواجهه إسبانيا هو القضية الكتالونية، وهو يريد أن يتفادى انفصال هذا الإقليم عن الحكم المركزي بكل الأشكال، ويكمن رهانه الأساسي بحكومة توافقية تعتبر الانفصال خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه.
اقرأ أيضاً: كتالونيا تنتخب رئيساً انفصالياً لتنفيذ "مهمة الاستقلال"