يكشف التفاعل الأردني الرافض لاعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، أن سنوات طويلة من "وهم السلام" لم تنجح في تدجين المشاعر الوطنية والقومية للأردنيين.
صحيح أن الاحتجاجات على القرار الأميركي تتم تحت أعين ورضا السلطة، وأحياناً بتحريض مباشر منها، غير أن ذلك لا يعني أن الحشود التي تواصل الاحتجاج في الشارع ما كانت لتفعل لولا المباركة الرسمية.
ببساطة، يسجل الوعي الشعبي للأردنيين اليوم نصراً جلياً على الوعي الرسمي الذي راهن طويلاً على السلام، وسلّم جميع أرواقه لليد الأميركية التي صفعته على نحو مؤلم ومحرج.
والآن، يسابق الأردن الرسمي، الغاضب بشكل حقيقي من القرار الأميركي، حركة الشارع، مستعيناً - بتعقل - بأدوات ما قبل السلام التي أقدم بنفسه على تحريمها، فأتاح لوسائل إعلامه تبني خطاب تعبوي ممنهج، ومنح مساحة أوسع للإعلام الخاص. كما أزال العوائق من أمام حركة المحتجين حتى في أكثر النقاط حساسية، وكثف من توعية طلبة المدارس بعروبة القدس والقضية الفلسطينية خلال الطابور الصباحي والحصص الصفية.
ما يجري بمبادرة رسمية أمرٌ إيجابيٌ، لكن الإبقاء عليه في حدود ردة الفعل، بدون الانتقال به إلى عمل استراتيجي يؤدي إلى إزالة "آثار السلام" الكارثية التي فاقت آثارها "آثار العدوان" الإسرائيلي في حقبة ما قبل السلام، سيجعل الأمر لا يتعدى كونه قفزة مجهولة النهاية.
في الزمن الذي كان العدوان الإسرائيلي يلهب الوعي الأردني ويعمّق الالتزام الشعبي تجاه القضية الفلسطينية، حلّ السلام الكاذب ليوغل وبأيدٍ أردنية في تدمير الوعي الجمعي للأردنيين - دون أن ينجح بشكل نهائي - ويحاول عزل مشاعر الأردنيين عن قضية لم تكن في يوم تعالج في سياق بعيد عن المحلية.
خسر اللاهثون نحو السلام حد الانبطاح رهاناتهم، وأثبتت المفاصل التاريخية تفوق بوصلة الوعي الشعبي على بوصلتهم المشوشة والمنعزلة عن الواقع، غير أنهم يحاولون ممارسة دور البطولة بدون أن يعيدوا النظر ببؤس خياراتهم، وبدون قدرة على تعديل مسارهم باتجاه مسار جديد يخرجهم من المأزق، أو حتى الشجاعة على العودة إلى مسار ما قبل السلام المهين.