إرهاب في غابات تونس

27 ديسمبر 2016
من يحميه؟ (العربي الجديد)
+ الخط -

هم يحرسون الغابات من القطع العشوائي للأشجار، ومن الصيد غير القانوني لحيوانات بريّة عدّة، كالخنازير والأرانب وبعض الطيور. هم يتفقدون المخزون النباتي الناجي من الحرائق التي تندلع صيفاً في غابات عدّة. هم يعملون في مناطق وعرة يصعب الوصول إليها، مع مناخ قاسٍ لا سيّما في فصلَي الشتاء والصيف. إلى ذلك، يعملون وسط خطر تضاعف من جرّاء انتشار إرهابيين في المناطق الحدودية، لا سيما التونسية - الجزائرية، نظراً إلى امتداد الغابات الكبير هناك. هؤلاء هم حرّاس غابات تونس.

لم يكن حرّاس الغابات يتعرّضون إلى مخاطر كبيرة تهدّد حياتهم، باستثناء هجوم بعض الحيوانات البرية عليهم. لكن، بعد تمركز إرهابيين في بعض الجبال التونسية، باتوا يتلقّون تهديدات بالقتل من قبل بعض عناصرهم. وهو ما دفعهم إلى تنفيذ احتجاجات عدّة خلال السنوات الثلاث الأخيرة في مختلف المندوبيات الجهوية، ندّدوا خلالها بالتهديدات التي تعرّضوا لها وبالخطر الذي يتربّص بهم، خصوصاً أنّهم لا يملكون أيّ وسائل للدفاع عن أنفسهم في مواجهة مخاطر الإرهاب.

قبل أيّام قليلة، تعرّض أحد حرّاس الغابات في جبل الأحيرش في محافظة جندوبة، على مقربة من الحدود الجزائرية، إلى الخطف على يد مجموعة إرهابية من أربعة عناصر، قبل أن يُطلق سراحه بعد نصف ساعة. يُذكر أنّ وحدات الأمن الوطني في إقليم جندوبة تمكّنت إثر عمليات التمشيط التي قامت بها بمؤازرة وحدات عسكرية، من إيقاف شاب في العقد الثالث من عمره من منطقة السواني (معتمدية جندوبة الشمالية)، يُشتبه في علاقته بالعناصر الإرهابية التي هاجمت مركز الغابات. وقد سُلّم إلى الفرقة المركزية لمكافحة الإرهاب، بهدف مواصلة التحقيقات معه. أمّا التهمة التي وُجّهت إليه، فهي دعم وإسناد العناصر الإرهابية هناك.

في هذا السياق، يقول مدير عام الغابات في وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، يوسف السعداني، إنّه أكّد في أكثر من مرّة على المخاطر التي تواجه أعوان وحرّاس الغابات وحتى عائلاتهم، بعدما أصبحوا مستهدفين من الإرهابيين، وقد تلقّى عدد منهم رسائل تهديد، فيما سجّلت كتابات على جدران منازلهم الخارجيّة تحمل تهديداً واضحاً وصريحاً. يضيف السعداني لـ"العربي الجديد"، أنّ "حرّاس الغابات باتوا مهدّدين نظراً إلى مساهمتهم في تتبّع تحرّكات الإرهابيين والكشف عن بعض مخابئهم في الجبال والمرتفعات الغربية للبلاد، بالإضافة إلى تقديم مساعدات لقوات الجيش والحرس الحدودي". ويتابع أنّهم "يضطرون اليوم بمعظمهم، إلى العمل من دون أن يحملوا بطاقتهم المهنية ومن دون أن يرتدوا زيّهم الرسمي تفادياً للمشاكل". ويشير السعداني إلى "افتقار هؤلاء إلى أيّ وسيلة أو سلاح لحمايتهم، رغم خطورة عملهم. كذلك هم يفتقرون إلى تكوين (تدريب) أمنيّ متخصص يساعدهم في تحسين أدائهم وكيفية التصرف خلال التعرّض لأيّ تهديد أو خطر من قبل الإرهابيين".



في مايو/ أيار من عام 2016، اقتحم ثلاثة مسلحين قرابة منتصف الليل، منزلاً يملكه حارس غابات في جهة الصعصاع التابعة لمنطقة الطويرف في ساقية سيدي يوسف، بالقرب من الحدود الجزائرية. واستولى هؤلاء على المؤونة المتوفّرة، بعد تهديد صاحبه. كذلك، تعرّض حارس غابات آخر في محافظة باجة في إحدى الغابات الجبلية، إلى تهديد عبر كتابة بعض عبارات التهديد على جدران مقرّ عمله تفيد بضرورة إخلائه المكان وتركه عمله. وفي حادثة أخرى، تعرّض حارس غابات في منطقة نابل، في أواخر عام 2015، إلى إطلاق رصاص من قبل عناصر إرهابية خلال أدائه عمله، لكنّه تمكّن من الهرب. ويشير أحد الحرّاس العاملين في المنطقة إلى أنّ الأخير طالب وزملاء له بتوفير بعض الوسائل التي تمكّنهم من الدفاع عن أنفسهم وحماية هذه المساحات وسكّانها. يضيف، وقد فضّل عدم الكشف عن هويّته، أنّ "الحرّاس بمعظمهم، باتوا يشعرون بالخوف خلال العمل والتجوّل داخل الغابات"، متسائلاً عن "رفض تسليحهم".

من جهته، يوضح محمد صالح، وهو من حرّاس غابات الكاف، أنّهم لا يعملون في مجموعات بل كلّ واحد على حدة. يقول لـ"العربي الجديد": "نتفرّق في أماكن مختلفة، وهو ما يمثّل خطراً أكبر على حياتنا"، مؤكّداً أنّ "أكثر الأشخاص معرفة بمسالك الغابات والجبال هم الحرّاس. فنحن أبناء الجهات التي نعمل فيها، بالإضافة إلى أنّنا نقطع يومياً عشرات الكيلومترات في تلك المناطق. وهذا ما يجعل الإرهابيين يستهدفوننا، مخافة من أن نكشف مخابئهم وتحركاتهم لقوات الجيش".

تجدر الإشارة إلى أنّ كاتب الدولة لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن، رفيق الشلي، كان قد أعلن في نهاية عام 2015، عن إمكانيّة تسليح حرّاس الغابات إذا استوجب الأمر ذلك، خصوصاً بعد تلقّيهم تهديدات من قبل إرهابيين. لكنّ ذلك لم يتمّ حتى اليوم.

ويقدّر عدد أعوان الحراسة في الغابات بأكثر من ستة آلاف عون حراسة إلى جانب 370 مشرفاً على الغابات. وهؤلاء جميعاً يعملون من دون أسلحة رغم كلّ ما يتعرضون له من تهديدات وضغوطات نفسية كبيرة.

دلالات