إرهاب إسرائيلي ضد الأسرى
يتعمد الاحتلال المداهمات الليلية للمنازل، لمجموعة من الأسباب، أهمها صنع صورة القوة والردع لجيش الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى مباغتة ومفاجأة الفلسطيني المستهدف، بحيث يضعونه تحت الضغط النفسي، منذ اللحظة الأولى. وتبدأ اللحظات الأولى بالاعتقال، إما بالطرق الشديد على جميع أبواب المنزل في اللحظة نفسها، وتعمد الصراخ، لإرباك العائلة الفلسطينية، وتعريض من يفتح أبواب المنزل للضرب والتفتيش العاري في أحيان كثيرة. وفي حالات أخرى، يتم تفجير بوابة المنزل والمداهمة والوصول إلى كل أفراد المنزل، خلال لحظات، وضربهم ثم تقييدهم، وذلك كله في وقت قصير جداً.
هذه الصدمة النفسية الأولى التي يوجهها الاحتلال الإسرائيلي للأسير الفلسطيني، حيث يبدأ بعدها، مباشرة، بتوجيه الأسئلة للأسير، قبل استيعابه الأمر، وتمالك نفسه. ويقوم جيش الاحتلال حينها بعزل المعتقل عن أهله، واستمرار توجيه الأسئلة المكثفة له. ويسمى هذا الأسلوب "التحقيق الميداني"، ويتعمد المحقق استخدام أي أسلوب يؤدي إلى انهيار الأسير، ويصنع أجواء ضغط نفسية، تجعل الأسير يفكر بوضع أهله وأبنائه في الزنازين، ومن ثم السجن. ما تعرض له أهل الأسير من طريقة الاعتقال يخلق لدى معظمهم حالة من الهلع والخوف الشديد. حينها، يتعمد المحقق أن يدفع بالأسير لتوديع أمه وأبنائه، وهم، على هذا الحال، لترسم الصورة الأخيرة لأهله وأبنائه، داخل الزنزانة، له عامل ضغط، لسببين، حيث يشعر بأنه السبب في تعرّضهم لهذا الموقف. ويتمثل السبب الثاني في أنه يبقى طوال فترة الاعتقال، وهو يفكر بحالتهم ووضعهم، وفي حالة قلق شديد عليهم.
ثم تغطى عيون الأسير لتعمد إيهامه بأنه في مكان مجهول، ثم يقاد إلى زنازين التحقيق المعزولة عن البيئة الخارجية، لصنع جو خاص للأسير، وهذا ما كان يفعله الصينيون بأسراهم، أي حجب الأسرى بعيداً عن البيئة الحرة، حتى لا يستطيعوا معرفة أي معلومات عما يحدث حولهم. وعندها يصبح مصدر المعلومات الوحيد للأسير المحققون، أو ما يسمحون للأسير أن يتعرض له من أخبار، سواء من عملاء يعملون مع الاحتلال الإسرائيلي، يوضعون مع الأسير وكأنهم أسرى مثله، ويؤثرون عليه بما يطلبه منهم المحققون، أو غيرها من الوسائل. هذه العزلة وحالة الضعف التي تعتري الأسير تجعله يفقد الثقة بنفسه وإمكاناته، فيشعر بأنه أصبح مستباحاً ويسهل التصرف به، كيفما شاء آسروه.
وخلال ذلك، يتعرض الأسير لضغوط جسدية، مثل الحرمان من النوم فترات طويلة، وقلة الطعام وصعوبة استخدام المرحاض، وعدم السماح بتبديل الملابس، أو الاستحمام، حتى يصبح الأسير في حالة هزيلة، طويل الشعر واللحية، ما يؤدي إلى التردي في الوضع النفسي للأسير، ويبقى دائماً تحت ضغط الأسئلة والابتزازات ومحاولات ضرب جميع القيم لديه، وتعرضه بشكل كبير للإهانة والسب، وقد يبقى الأسير على هذا الحال أشهر.
بعد ذلك، يُنقل الأسير الفلسطيني إلى السجن، ويسمح له بالاختلاط بمجموعة من الأسرى الفلسطينيين. ويعتقد الأسير، في معظم الأحيان، أنه قد توقف استهدافه المباشر من الاحتلال، بعد ذهابه إلى السجن الجماعي. لكن، في حقيقة الأمر أن هذه المرحلة لا تقل خطورة عن سابقاتها، لأنها تعتمد على طول النفس والاستهداف المغلف الذي يكون له الأثر في العقل الباطن ومعتقدات الأسير.
كان الصينيون يستخدمون أسلوب حضور الأسير اجتماعات دراسية يومية، لدراسة الفكر الشيوعي، لكنها استبدلت بما هو أخطر من ذلك؛ بأن لا يتعرض الأسير إلا لبعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، وبعض الفضائيات العربية التي لا تعترف بحق المقاومة للشعب الفلسطيني. ويؤدي التعرض الطويل لهذه الفضائيات إلى التخلي، شيئاً فشيئاً، عن معتقداته السابقة، نتيجة الوضع النفسي السابق الذي هز ثقة الأسير بمعتقداته ومبادئه، وحتى بنفسه، واستعداده لتبني أي أفكار أخرى. ويشبّه أخصائيون هذا العمل بتفريغ وعاء من الأفكار في فترة التحقيق. هذا الوعاء الفارغ الذي أصبح على استعداد للامتلاء بأول ما يتعرض له، أو نقيض معتقداته الأولى التي جلبت له "التعاسة".
وخلال حياة الأسر، يبقى معرضاً لاستجوابات مخابرات الاحتلال الإسرائيلي وتضييقه، من إغلاق أقسام ونقله إلى أخرى، ومحاربته بأبسط احتياجاته اليومية، وإيجاد أجواء غير مستقرة، تؤدي إلى توتره وعدم استقراره.
ليس هذا التشابه الكبير بين الطريقتين الصينية والإسرائيلية مصادفة، وإنما هي طريقة مدروسة بعناية، للنيل من الأسرى الفلسطينيين وقضيتهم. وتبقى هذه الأساليب خاضعة للدراسة والتطوير. وكما أن الأسير قدّم من حياته وعمره فداء لشعبه وقضيته، فإن على أبناء شعبه ومجتمعه الوقوف معه، لتفويت الفرصة على الاحتلال من النيل منه. ربما تجدر الإشارة إلى قضية مهمة هنا، لأن سوء التقدير فيها قد يسهم، بغير قصد، في إكمال مشروع الاحتلال من التأثير على الأسير؛ وهي وضع الأسير دائماً تحت اللوم بأنه أضاع عمره نتيجة سيره في هذه الطريق. والاحتلال، عادة، يحاول أن يوهم الأسير والشعب الفلسطيني أن نضالاته ذهبت سدى، وأنها لم تجلب له إلا الشقاء والعناء. ولا شك أن الأسير عندما اختار هذه الطريق، فإنه، في حقيقة الأمر، اختارها، وهو يعلم أنه سيخسر لأجل وطنه وشعبه.