06 نوفمبر 2024
إرث أوباما عربياً
مع بلوغ إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، نهاية الشوط، أخذ الحديث عن إرثه يتسع، والجدل بشأنه يتعمق. يجد أنصار الرئيس ومحازبوه الكثير لقوله في إنجازاته الداخلية، بدءاً بمشروع الضمان الصحي الذي انتشل نحو 46 مليون أميركي من براثن الموت والإهمال، وصولاً إلى إنقاذ الاقتصاد من أزمة الرهن العقاري، وانتهاء بتخفيض البطالة من نحو 9%، عشية توليه الحكم، إلى أقل من 6% اليوم. أما عندما يصل التقييم إلى السياسة الخارجية، وتحديداً ما يتصل منها بالمنطقة العربية، هنا تبدأ عملية التبرير، من ذلك القول إن الرجل بدأ "كارتر وانتهى نيكسون"، وهو زعمٌ يراد منه أن أوباما بدأ عهده رافعاً لواء نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، لكن ظروف المنطقة وفشل الثورات العربية في بلوغ نهاياتها المأمولة، انتهت به (واقعياً) مكيافيلياً، كما ريتشارد نيكسون الذي قدّم مصالح أميركا الأمنية والاستراتيجية على ما سواها، حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بالديمقراطية ودعم الانقلابات العسكرية، كما حصل في تشيلي، عندما رعت المخابرات الأميركية إطاحة الحكم المنتخب لسيلفادور الليندي، والمجيء بديكتاتورية أوغستو بينوشيه.
مشكلة هذا التشبيه ليست فقط أنه لا يصلح تبريراً لاختلاف الظروف وانعدام أوجه المقارنة، بل لأن فيه كثيرا من عدم الدقة والمراهنة على قصر الذاكرة أيضاً. فمنذ أيام حكمه الأولى، اختط أوباما لنفسه منهجاً في السياسة الخارجية، لا يراعي فيه إلا المصالح الأميركية، كما رأتها إدارته. وعليه، لم يتردّد أوباما يوماً في دفن كل الطموحات الديمقراطية لأبناء المنطقة، وفي تسفيه أحلامهم في حياةٍ حرةٍ كريمةٍ، عندما اقتضت المصلحة ذلك، وهو أمرٌ، حصل، بالمناسبة، قبل وقت طويل من اندلاع ثورات الربيع العربي. ولأنه كان يطمح إلى تعاون إيران في تحقيق استقرار نسبي في العراق، يسمح له بإنجاز وعده الانتخابي بسحب قواته من هناك، بحلول نهاية عام 2011، رفض أوباما دعم الثورة الخضراء التي اندلعت في يونيو/ حزيران 2009، احتجاجاً على مزاعم بتزوير الانتخابات لصالح الرئيس محمود أحمدي نجاد. وقد راقب أوباما حينها، بصمتٍ ملفتٍ، كيف سحق الباسيج والباسدران الحركة الاحتجاجية، وزجّوا رموزها في السجون، بمن فيهم مير حسن موسوي ومهدي كروبي اللذين مازالا قيد الإقامة الجبرية.
للسبب نفسه، ضحّى أوباما، في السنة التالية، بنتائج "العملية الديمقراطية" في العراق، وساند المسعى الإيراني إلى إعادة نوري المالكي إلى الحكم، على الرغم من أن ائتلاف دولة القانون الذي يقوده خسر انتخابات مارس/ آذار 2010 أمام القائمة العراقية التي كان يتزعمها إياد علاوي. ولم يكتف أوباما بمحاولة استرضاء إيران بدعمه بقاء المالكي، بل جعل يضغط على الأطراف الإقليمية المعارضة لهذا الخيار لتغيير موقفها، ولم يوافق على إعادة السفير الأميركي إلى دمشق، إلا بعد أن وافق النظام السوري على إسقاط معارضته المالكي الذي كان اتهم دمشق بالمسؤولية عن تفجيرات "الأربعاء الدامي" في 19 أغسطس/ آب 2009، وطالب حينها مجلس الأمن بتشكيل محكمةٍ خاصة لمحاكمة المسؤولين عن "الجريمة".
في هذا السياق، جاء الربيع العربي بمثابة مفاجأة غير سارة لإدارة الرئيس أوباما. ليس فقط لأنه هدّد الهدوء الذي حاولت فرضه في المنطقة، تمهيداً للانسحاب منها، بل لأنه كاد أن "يلخبط" لها ترتيباتها الإقليمية الأخرى، فالرئيس أوباما كان مطالباً بموقفٍ واضح من الثورات العربية، وهو أمر أخذ يتدرّج في الصعوبة، كلما انتقل الربيع العربي إلى محطة جديدة. كانت تونس أسهل المحطات، فهي صغيرة وليس فيها مصالح كبيرة، ازداد الأمر صعوبةً في مصر. مع ذلك، لم تشكل إزاحة حسني مبارك مغامرة كبرى، لأن الجيش كان ممسكاً بزمام الأمور. وفي ليبيا، لم يكن هناك، ربما باستثناء الروس، من ذرف دموعاً على رحيل معمر القذافي. كان التحدّي الحقيقي في سورية، حيث اتضح الموقف الفعلي للرئيس أوباما من مجمل مسيرة التحول الديمقراطي في المنطقة العربية. هنا، بدا أوباما شديد الحرص على عدم إزعاج إيران، ولو أدى ذلك إلى إزالة سورية عن الخريطة، حتى بعد إتمام مسيرة الانسحاب من العراق، لأن طبخة الاتفاق على حل قضية البرنامج النووي الإيراني كانت قد وضعت على نار هادئة في عُمان.
مشكلة هذا التشبيه ليست فقط أنه لا يصلح تبريراً لاختلاف الظروف وانعدام أوجه المقارنة، بل لأن فيه كثيرا من عدم الدقة والمراهنة على قصر الذاكرة أيضاً. فمنذ أيام حكمه الأولى، اختط أوباما لنفسه منهجاً في السياسة الخارجية، لا يراعي فيه إلا المصالح الأميركية، كما رأتها إدارته. وعليه، لم يتردّد أوباما يوماً في دفن كل الطموحات الديمقراطية لأبناء المنطقة، وفي تسفيه أحلامهم في حياةٍ حرةٍ كريمةٍ، عندما اقتضت المصلحة ذلك، وهو أمرٌ، حصل، بالمناسبة، قبل وقت طويل من اندلاع ثورات الربيع العربي. ولأنه كان يطمح إلى تعاون إيران في تحقيق استقرار نسبي في العراق، يسمح له بإنجاز وعده الانتخابي بسحب قواته من هناك، بحلول نهاية عام 2011، رفض أوباما دعم الثورة الخضراء التي اندلعت في يونيو/ حزيران 2009، احتجاجاً على مزاعم بتزوير الانتخابات لصالح الرئيس محمود أحمدي نجاد. وقد راقب أوباما حينها، بصمتٍ ملفتٍ، كيف سحق الباسيج والباسدران الحركة الاحتجاجية، وزجّوا رموزها في السجون، بمن فيهم مير حسن موسوي ومهدي كروبي اللذين مازالا قيد الإقامة الجبرية.
للسبب نفسه، ضحّى أوباما، في السنة التالية، بنتائج "العملية الديمقراطية" في العراق، وساند المسعى الإيراني إلى إعادة نوري المالكي إلى الحكم، على الرغم من أن ائتلاف دولة القانون الذي يقوده خسر انتخابات مارس/ آذار 2010 أمام القائمة العراقية التي كان يتزعمها إياد علاوي. ولم يكتف أوباما بمحاولة استرضاء إيران بدعمه بقاء المالكي، بل جعل يضغط على الأطراف الإقليمية المعارضة لهذا الخيار لتغيير موقفها، ولم يوافق على إعادة السفير الأميركي إلى دمشق، إلا بعد أن وافق النظام السوري على إسقاط معارضته المالكي الذي كان اتهم دمشق بالمسؤولية عن تفجيرات "الأربعاء الدامي" في 19 أغسطس/ آب 2009، وطالب حينها مجلس الأمن بتشكيل محكمةٍ خاصة لمحاكمة المسؤولين عن "الجريمة".
في هذا السياق، جاء الربيع العربي بمثابة مفاجأة غير سارة لإدارة الرئيس أوباما. ليس فقط لأنه هدّد الهدوء الذي حاولت فرضه في المنطقة، تمهيداً للانسحاب منها، بل لأنه كاد أن "يلخبط" لها ترتيباتها الإقليمية الأخرى، فالرئيس أوباما كان مطالباً بموقفٍ واضح من الثورات العربية، وهو أمر أخذ يتدرّج في الصعوبة، كلما انتقل الربيع العربي إلى محطة جديدة. كانت تونس أسهل المحطات، فهي صغيرة وليس فيها مصالح كبيرة، ازداد الأمر صعوبةً في مصر. مع ذلك، لم تشكل إزاحة حسني مبارك مغامرة كبرى، لأن الجيش كان ممسكاً بزمام الأمور. وفي ليبيا، لم يكن هناك، ربما باستثناء الروس، من ذرف دموعاً على رحيل معمر القذافي. كان التحدّي الحقيقي في سورية، حيث اتضح الموقف الفعلي للرئيس أوباما من مجمل مسيرة التحول الديمقراطي في المنطقة العربية. هنا، بدا أوباما شديد الحرص على عدم إزعاج إيران، ولو أدى ذلك إلى إزالة سورية عن الخريطة، حتى بعد إتمام مسيرة الانسحاب من العراق، لأن طبخة الاتفاق على حل قضية البرنامج النووي الإيراني كانت قد وضعت على نار هادئة في عُمان.