إدوارد ألبي يغادر حديقة البرودواي

17 سبتمبر 2016
(إدوارد ألبي، تصوير: جنيفر س. ألتمان)
+ الخط -

"لكل الذين جعلوا حياتي رائعة ومثيرة وكاملةً، كلّ امتناني وحبّي". هكذا استهلّ الكاتب المسرحي الأميركي، إدوارد ألبي (1928 - 2016)، نصّاً قصيراً كتبه قُبيل دخوله المستشفى لإجراء عملية جراحية، قبل سنوات قليلة. وعدا تلك الكلمات، لم يطّلع القرّاء، إلى الآن، على شيء من النص؛ فصاحب "من يخاف من فرجينيا وولف؟" أوصى بنشره بعد رحيله.

أمس الجمعة، رحل ألبي عن 88 عاماً في منزله في مونتوك (نيويورك)، بعد فترة مرضية قصيرة، لتُطوى بذلك صفحة جيل الروّاد في المسرح الأميركي الذي اعتُبر أبرز كتّابه الأحياء بعد رحيل أرثر ميلر وأوغست ويلسون، وأيضاً ضمن أبرز أقطاب المسرح الطليعي إلى جانب صامويل بيكيت وهارولد بنتر ويوجين أونيسكو، هو الذي حاز "جائزة بوليتزر" ثلاث مرّات؛ سنوات 1967 و1975 و1991.

بعد أسبوعين على ولادته في واشنطن عام 1928، تبنّت عائلة أرستقراطية ذلك الطفل الذي تخلّى عنه أبواه (ريد وفرانس)، والذي سيقول لمجلّة "باريس ريفيو" الأدبية إنه قرّر في سنّ السادسة أن يصبح كاتباً، لكنه اختار كتابة مسرحيات بعد أن خلص إلى أنه ليس شاعراً أو روائياً بارعاً جدّاً.

ومع أنه نشأ في عائلة ثرية تملك عدّة مسارح في العاصمة الأميركية، ووفّرت له تعليماً جيّداً في مدراس خاصّة، إلّا أن ألبي خيّب توقّعات والده بالتبنّي، وأظهر ميلاً إلى التمرّد على القوانين والتقاليد الاجتماعية، حتى أنه طُرد من "ترينيتي كوليج" عام 1947، بسبب عدم انتظامه ورفضه حضور الصلوات الإلزامية.

ترجم ألبي تمرّده بمغادرة منزله، وهو في العشرين من عمره، وقد تحدّث عن ذلك قائلاً: "لم أشعر يوماً بالراحة في أسرتي الجديدة. أبواي بالتبنّي لم تكن لديهما فكرة عن معنى أن تكون أباً أو أمّاً، وربّما لم أعرف أن أكون ابناً صالحاً".

توجّه إلى نيويورك؛ حيثُ مارس عدداً من المهن الصغيرة طيلة عشر سنوات ليعيل نفسه، وجرّب كتابة الشعر والقصّة والرواية، قبل أن يُصدر أولى مسرحياته، "قصّة حديقة الحيوان"، عام 1958.

يروي العمل قصّة لقاء في "السنترال بارك" يجمع في ظهيرة أحد الأيام شخصيتين مختلفتين تماماً؛ هما بيتر وجيري. وقد حقّقت المسرحية القصيرة، التي يقول إنها كانت أكثر مسرحياته المفضّلة عنده، نجاحاً لافتاً بعد عرضها عام 1959 في برلين ونيويورك، بل إنها وضعت اسمه في المرتبة الأولى بين كتّاب المسرح الأميركيين.

بعدها، نشر عدداً من المسرحيات القصيرة؛ مثل: "موت بيسيه سميث" (1959)، و"صندوق الرمل" (1959)، و"الحلم الأميركي" (1960). لكن نصّه المسرحي الطويل الأوّل "من يخاف من فرجينيا وولف؟" (1962) اعتُبر أهمّ أعماله.

من خلال قصّة أربع شخصيات (الزوجان الخمسينيان جورج ومارثا، والزوجان الشابّان نيك وهاني)، تتناول المسرحية بالنقد القيم الاجتماعية السائدة في الولايات المتّحدة خلال الخمسينيات والستينيات، أو ما سُمّي بـ "الحلم الأميركي" الذي اكتسح العالم كمفهوم جديد للقيم الإنسانية ومعايير النجاح.

استلهم ألبي عنوان العمل من أغنية "من يخاف من الذئب الشرّير الضخم؟"، في فيلم الكرتون الكلاسيكي "السيمفونية الهزلية" (1933). وفي أحد حواراته، قال إن سؤاله كان يعني "من يخاف العيش من دون وهم؟".

عُرض العمل، لأوّل مرّة، على "مسرح برودواي"، بإخراج ألن شنايدر، واستمرّ العرض لسنتين محقّقاً نجاحاً كبيراً. وفي العام 1966، اقتُبس إلى فيلم سينمائي.

توالت أعماله بمسرحيات أخرى؛ من بينها: "موازنة دقيقة" (1975)، و"سيدة من دابولو" (1979)، و"العنزة/ من هي سيلفيا؟" (2002)، و"المنزل وحديقة الحيوانات" (2009).

حاز ألبي "جائزة بوليتزر" ثلاث مرّات عن مسرحيات "التوازن الهش" (1967)، و"منظر البحر" (1975)، و"ثلاث نسوة فارعات" (1991). كما مُنح "وسام إدوارد ماكدول للفنون" في دورتها الثانية والخمسين عام 2013، وبذلك أصبح ثالث كاتب مسرحيّ يتلقّى هذا الوسام منذ 1960.

في أعماله، لم يركن ألبي إلى تيار أو مدرسة بعينها؛ إذ جرّب الوجودية والعبث والكلاسيكية والأخلاقية والواقعية. وإلى جانب أسلوبه الذي يُضفي عليه لمسةً من الفكاهة، تميّز برؤيته النقدية القاسية للحياة الأميركية وقيمها. أمّا رؤيته للكتابة المسرحية فلخّصها بقوله: "ثمّة شذوذ في العقل يجعل من الإنسان كاتباً مسرحياً".

دلالات
المساهمون