06 نوفمبر 2024
إدلب وحسابات سوتشي
باتت مدينة سوتشي الروسية، والتي غدت عاصمة صيفية لزعماء الكرملين منذ عام 1954، مرتبطةً في ذاكرة السوريين بقضايا الحرب والسلم في بلادهم أكثر من أي مكان آخر في العالم، ذلك أن المدينة الواقعة على البحر الأسود، والتي انتزعتها موسكو من جورجيا مع نهاية الحرب الأهلية الروسية (1917-1922)، شهدت على مدار السنوات الخمس الماضية أهم النقاشات، واتخذت فيها أهم القرارات التي حدّدت مصير الصراع السوري واتجاهاته. جديد سوتشي هذه المرة هو الاتفاق الروسي - التركي على إنشاء "منطقة منزوعة السلاح" في إدلب.
في ضوء الحشد والاستعداد للحرب، مثّل الاتفاق مفاجأة لكثيرين، على الرغم من أن احتمالاته كانت تتزايد كل يوم، مع تكثف الاتصالات الروسية - التركية بعد فشل قمة طهران. وقد ساهمت مجموعة من العوامل في إقناع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بقبول العرض التركي في التوصل إلى تسوية سياسية في إدلب، بدل اللجوء إلى حلها بالقوة، أهمها أن عملية عسكرية كبيرة كانت ستؤدي بالضرورة إلى انهيار مسار أستانة، وقد غدت الورقة السياسية الوحيدة التي تملكها روسيا، في هذه المرحلة من الصراع، في مواجهة مجموعة الخمس (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، السعودية، والأردن)، والتي تحوّلت إلى سبع بانضمام ألمانيا ومصر إليها. وقد عادت هذه المجموعة إلى النشاط أخيرا بإصدارها مجموعة المبادئ حول حل الصراع في سورية، في مواجهة المقاربة الروسية القائمة على ثنائية الدستور والانتخابات. بيّن اتفاق إدلب أهمية تركيا روسيًا، وأوضح مقدار حاجة بوتين إليها، واستعداده للتراجع، حفاظًا عليها شريكا في الحل السياسي السوري.
في إطار استراتيجي أوسع، بدا للرئيس الروسي أن عملية عسكرية كبيرة في إدلب ستؤدي، بالضرورة، إلى تبديد كل جهوده لانتزاع تركيا من حضن الغرب، والمستمرّة منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو/ تموز 2016، بما في ذلك مساعيه لربط تركيا بروسيا باتفاقيات حول التجارة والطاقة، وحتى تزويدها بمنظومة صواريخ إس 400 التي رفض إعطاءها لإيران. وقد نجح الرئيس التركي، أردوغان، في إيضاح أهمية إدلب لمصالح بلاده، من خلال المقاومة الصلبة التي أبداها لمنع هجوم عليها؛ إذ لم تكتف تركيا بإعلان معارضتها الهجوم على إدلب، كما فعلت إزاء تصفية بقية مناطق خفض التصعيد، بل وفّرت كل وسائل الدعم للمعارضة السورية، استعدادا لمواجهة كبرى محتملة. وحشدت فوق ذلك عشرات الآلاف من قواتها داخل منطقة خفض التصعيد، وعلى الحدود معها، وكأنها تقول إن إدلب خطها الأحمر.
وقد تكون التحذيرات الدولية المتعاظمة من وقوع حمام دم في إدلب ساهمت أيضا في دفع روسيا إلى القبول بالتسوية، ذلك أن سقوط مدنيين بأعداد كبيرة كان سيضع ضغطا كبيرا على الرئيس بوتين الذي لا يهتم عادة بهذا الشأن، لولا أن استراتيجيته أخيرا أخذت تتمحور على إعادة اللاجئين وإعادة الإعمار. وقد يكون لتصاعد النبرة الأميركية المحذّرة من هجوم كبير على إدلب دور أيضا في إعادة النظر في حسابات روسيا الميدانية.
فوق ذلك، قدّم الرئيس أردوغان عرضا يصعب على بوتين رفضه، ذلك أنه يحقق له وللنظام السوري جزءا مهما من الأهداف التي كانا يسعيان إليها من عملية عسكرية، إنما من دون قتال؛ فإنشاء منطقة منزوعة السلاح، بعمق يتراوح بين 15-20 كلم، وإبعاد فصائل المعارضة إلى الشمال يوفران الحماية لقاعدة حميميم الجوية الروسية. النظام السوري هو الآخر حصل على ما يريد، أي فتح الطريق الدولي بين اللاذقية وحلب وبين حماة وحلب. أما أردوغان فقد حصل على إقرار روسي بنفوذ تركيا في إدلب، وحفظ مصالحها فيها، سواء المتعلقة بمنع تهجير مئات آلاف اللاجئين، أو المحافظة على فصائل المعارضة، باعتبارها قوة مهمة للضغط باتجاه الحل السياسي. العامل الأخير والمهم الذي ساهم في التوصل إلى اتفاق هو غياب الطرف الإيراني، وقد أثبتت التجارب السابقة أن روسيا وتركيا تتفاهمان أفضل، عندما لا تكون إيران موجودة، حصل هذا في اتفاق حلب في ديسمبر/ كانون الأول 2016، وفي اتفاق خفض التصعيد في إدلب في سبتمبر/ أيلول 2017، وفي مناسبات عديدة أخرى. السؤال الكبير الآن: هل يصمد الاتفاق؟ الإجابة نعم، إنما حتى تتغيّر الظروف والحسابات وموازين القوى.
في ضوء الحشد والاستعداد للحرب، مثّل الاتفاق مفاجأة لكثيرين، على الرغم من أن احتمالاته كانت تتزايد كل يوم، مع تكثف الاتصالات الروسية - التركية بعد فشل قمة طهران. وقد ساهمت مجموعة من العوامل في إقناع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بقبول العرض التركي في التوصل إلى تسوية سياسية في إدلب، بدل اللجوء إلى حلها بالقوة، أهمها أن عملية عسكرية كبيرة كانت ستؤدي بالضرورة إلى انهيار مسار أستانة، وقد غدت الورقة السياسية الوحيدة التي تملكها روسيا، في هذه المرحلة من الصراع، في مواجهة مجموعة الخمس (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، السعودية، والأردن)، والتي تحوّلت إلى سبع بانضمام ألمانيا ومصر إليها. وقد عادت هذه المجموعة إلى النشاط أخيرا بإصدارها مجموعة المبادئ حول حل الصراع في سورية، في مواجهة المقاربة الروسية القائمة على ثنائية الدستور والانتخابات. بيّن اتفاق إدلب أهمية تركيا روسيًا، وأوضح مقدار حاجة بوتين إليها، واستعداده للتراجع، حفاظًا عليها شريكا في الحل السياسي السوري.
في إطار استراتيجي أوسع، بدا للرئيس الروسي أن عملية عسكرية كبيرة في إدلب ستؤدي، بالضرورة، إلى تبديد كل جهوده لانتزاع تركيا من حضن الغرب، والمستمرّة منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو/ تموز 2016، بما في ذلك مساعيه لربط تركيا بروسيا باتفاقيات حول التجارة والطاقة، وحتى تزويدها بمنظومة صواريخ إس 400 التي رفض إعطاءها لإيران. وقد نجح الرئيس التركي، أردوغان، في إيضاح أهمية إدلب لمصالح بلاده، من خلال المقاومة الصلبة التي أبداها لمنع هجوم عليها؛ إذ لم تكتف تركيا بإعلان معارضتها الهجوم على إدلب، كما فعلت إزاء تصفية بقية مناطق خفض التصعيد، بل وفّرت كل وسائل الدعم للمعارضة السورية، استعدادا لمواجهة كبرى محتملة. وحشدت فوق ذلك عشرات الآلاف من قواتها داخل منطقة خفض التصعيد، وعلى الحدود معها، وكأنها تقول إن إدلب خطها الأحمر.
وقد تكون التحذيرات الدولية المتعاظمة من وقوع حمام دم في إدلب ساهمت أيضا في دفع روسيا إلى القبول بالتسوية، ذلك أن سقوط مدنيين بأعداد كبيرة كان سيضع ضغطا كبيرا على الرئيس بوتين الذي لا يهتم عادة بهذا الشأن، لولا أن استراتيجيته أخيرا أخذت تتمحور على إعادة اللاجئين وإعادة الإعمار. وقد يكون لتصاعد النبرة الأميركية المحذّرة من هجوم كبير على إدلب دور أيضا في إعادة النظر في حسابات روسيا الميدانية.
فوق ذلك، قدّم الرئيس أردوغان عرضا يصعب على بوتين رفضه، ذلك أنه يحقق له وللنظام السوري جزءا مهما من الأهداف التي كانا يسعيان إليها من عملية عسكرية، إنما من دون قتال؛ فإنشاء منطقة منزوعة السلاح، بعمق يتراوح بين 15-20 كلم، وإبعاد فصائل المعارضة إلى الشمال يوفران الحماية لقاعدة حميميم الجوية الروسية. النظام السوري هو الآخر حصل على ما يريد، أي فتح الطريق الدولي بين اللاذقية وحلب وبين حماة وحلب. أما أردوغان فقد حصل على إقرار روسي بنفوذ تركيا في إدلب، وحفظ مصالحها فيها، سواء المتعلقة بمنع تهجير مئات آلاف اللاجئين، أو المحافظة على فصائل المعارضة، باعتبارها قوة مهمة للضغط باتجاه الحل السياسي. العامل الأخير والمهم الذي ساهم في التوصل إلى اتفاق هو غياب الطرف الإيراني، وقد أثبتت التجارب السابقة أن روسيا وتركيا تتفاهمان أفضل، عندما لا تكون إيران موجودة، حصل هذا في اتفاق حلب في ديسمبر/ كانون الأول 2016، وفي اتفاق خفض التصعيد في إدلب في سبتمبر/ أيلول 2017، وفي مناسبات عديدة أخرى. السؤال الكبير الآن: هل يصمد الاتفاق؟ الإجابة نعم، إنما حتى تتغيّر الظروف والحسابات وموازين القوى.