إدارة ترامب وسياسة الإملاء والمصادرة في الأمم المتحدة

21 ديسمبر 2017
تلويح واشنطن بتأديب الخارج على الطاعة غير مسبوق(أليكس وونغ/Getty)
+ الخط -
أثار الكتاب الذي وجهته السفيرة الأميركية، نيكي هيلي، يوم الثلاثاء، إلى زملائها سفراء 180 دولة في الأمم المتحدة، لتحذيرهم من عواقب التصويت، اليوم الخميس، في الجمعية العمومية ضد اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ استغراب المراقبين في واشنطن. اللهجة الآمرة المبطّنة التي انطوى عليها خطابها، والتي توعدت المعترضين بالعقاب والتعامل معهم كمتمردين على مشيئة البيت الأبيض، بدت محرجة حتى لكثير من المتعاطفين، من حيث المبدأ، والذين تحفظوا على توقيت هذا الاعتراف.

تهديد هيلي الضمني بأنها ستراقب التصويت وتدون الأسماء المؤيدة لمشروع القرار اليمني – التركي، لتضع بها لائحة ترفعها إلى البيت الأبيض لاتخاذ الإجراء اللازم، بدا فاضحاً في استخفافه بالأعراف الدبلوماسية وبالحق السيادي التي تتمتع به الدول في ممارستها لدورها في الأمم المتحدة. فضلاً عن أنه صبّ الزيت على نار الأزمة التي فجرها قرار الاعتراف في السادس من الشهر الحالي.

ولشحن تهويل السفيرة بالمزيد من الزخم، دخل الرئيس ترامب على الخط خلال جلسته، أمس الأربعاء، مع أركان إدارته ليشدد على أن الوقوف ضد واشنطن في الجمعية العمومية له ثمنه، قائلاً "سوف نراقب الأصوات". وأضاف: "يأخذون الملايين بل المليارات منا ويصوتون ضدنا. سيوفرون علينا إذا فعلوا ذلك"- تلويح بقطع المساعدات-. ويبدو من ذكره للمليارات، أنه غمز من زاوية مصر والأردن، محذراً بأن زمن "استغلال أميركا قد انتهى".


تلويح الإدارة الأميركية بتأديب الخارج على الطاعة وبهذه الطريقة الاستفزازية المفضوحة، غير مسبوق. أسلوب ليّ الذراع ليس غريباً على عالم الدبلوماسية، لكن ليس بهذه الصورة الفجة المتعسفة. "التعامل مع الآخر على أساس مواقفه في الأمم المتحدة، مقبول من حيث المبدأ. لكن ليس في عملية تصويت له صداه الديني الأوسع في العالم الإسلامي"، كما نسب إلى دافيد ماكوفسكي قوله، وهو الباحث في "مؤسسة واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" والمقرب من إسرائيل. حتى هذا المراقب وأمثاله انتقدوا هذا السلوك الفوقي لخشيتهم من ارتداداته السلبية القريبة والبعيدة. وربما أراد الرئيس أيضاً من التعاطي مع موضوع التصويت بهذا الشكل، ترسيخ "الصورة الشائعة عن صلابته والتي يرتاح لها مؤيدوه".

لغة الوعيد والتخويف اعتمدتها السفيرة هيلي في تعاملها مع الدبلوماسية الدولية في الأمم المتحدة، منذ توليها لهذ المنصب، وهي بذلك تترجم مقاربة البيت الأبيض. توجه يرمي إلى ترسيخ ثقافة التبعية والانصياع، حتى في قرارات غير ملزمة كالذي ستصوت عليه الجمعية العمومية بشأن القدس. مخالفة الذين تمون عليهم واشنطن، ممنوعة عملاً بشعار الإدارة أن لكل شيء حسابه. والحساب يجري الآن من خلال توظيف ورقة المساعدات الخارجية للدول التي تحتاجها والتي تبلغ حوالي 13 مليار دولار سنوياً في العالم، وهي موجهة أصلاً لخدمة المصالح الأميركية بصورة سلسة وعلى المدى الأبعد. لكن في قاموس هذه الإدارة مطلوب التسديد فوراً، خصوصاً من جانب البلدان التي صارت المساعدات الأميركية ركناً في صلب إيراداتها وموازنتها السنوية. استغلال مكشوف لحاجة تتحكم بها.

في أحد خطاباته الانتخابية، قال الرئيس ترامب إنّ من يريد من أميركا الدفاع عنه "عليه أن يدفع"، معادلة تجارية واضحة. أما الآن، فيقول إن من يخالفه في المنظمة الدولية "نوقف عنه الدفع"، كله دفع وتدفيع، حتى في قضية القدس التي يقف العالم بأسره ضد قراره بشأنها، ما عدا إسرائيل وثلاث أو أربع جزر– دول نائية غير معروفة أسماؤها إلا في الأمم المتحدة.

تعامل الإدارة مع هذا التصويت بمثل هذا الاستخفاف، ليس سوى هجمة جديدة تهدد بزيادة التآكل في هيبة ودور هذه المنظمة التي يحتاجها عالم اليوم المضطرب أكثر من أي وقت مضى.