إخوة المغول

11 فبراير 2015
من أفغانستان شرقاً حتى حدود مالي غرباً (فرانس برس)
+ الخط -
ليس المقصود بالحديث عن إخوة المغول هو الأخوّة بالدم. بالطبع لن نتحدث هنا عن قبائل مغولية قادمة من وسط آسيا وأقاصي الصين في غمرة القرون الوسطى، مكتسحة كل ما هو أمامها من قرى ومدن وممالك، جاعلة ما وراءها مجرد قاع صفصف. وبلوغاً إلى بغداد أرقى مدن العالم الوسيط شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. لم يكن هناك على الكوكب في حينه، مدينة تضاهي بغداد في سعتها وكثرة سكانها وكل مناحي التقدم. نقول هذا من دون أن نغفل مدى التراجع الذي عانته مدينة السلام بعد رحيل الخلفاء الكبار أمثال أبو جعفر المنصور والمهدي وهارون الرشيد وغيرهم، قبل أن نصل إلى عهود الجماعات والقبائل التي تمت الاستعانة بها من قبل بعض الخلفاء، فإذا بها تمسك بزمام الأمور وتنشر قوتها وصراعاتها وقرارتها الخنفشارية، فيتراجع نبض التجارة والصناعة والثقافة والعلم واندفاعات التقدم.

قبل أن نختم هذا المدخل نؤشر للدور الكبير الذي لعبه المماليك عبر قيادتي الأميرين قطز وبيبرس في كسر الهجمة وتبديد قواها كانت فاتحتها معركة عين جالوت، وتلتها حروب متواصلة لم تهدأ إلا بعد أن تحقق النصر، وإنقاذ ما تبقى من مدن وقرى ومعالم حضارة. أبرز ما يوصم به تاريخ المغول، ليس أنهم اجتاحوا بغداد وقتلوا الناس بعد استباحتها وأعدموا الخليفة العباسي، بل كونهم أحرقوا مكتبات بغداد أو ألقوا بموجوداتها من مخطوطات ووثائق في نهر دجلة، حيث عبرت عليها خيولهم وصبغت الأحبار المياه.

إخوة المغول ليسوا مقتصرين على ما تعرفه العراق في هذه اللحظة الراهنة سواء أمثلته داعش أو التنظيمات الطائفية التي تحمل مشروعاً طائفيا لا يقل خطراً عن داعش. عندما نتحدث عن إخوة المغول نتحدث عن مروحة واسعة من القوى والجماعات التي تتمدد من أفغانستان شرقاً حتى حدود مالي غرباً. هؤلاء يطبقون على المنطقة ويفرضون منطقاً ليس بعيداً عن المنطق الذي فرضه المغول. الكثيرون لا يعلمون أن جنكيز خان كان يسعى الى تدمير الحدود، وأنه كان يريد أن ينشأ عن فعله هذا، أطفال أحرار يتحركون الى أي مكان يشاؤون دون أي قيد. هذا ما كان يقوله جنكيز خان عندما كان يعمل على تجميع القبائل التي انضوت تحت قيادته ويحشدها إلى تحقيق مشروعه الذي انتهى بكارثة إنسانية. تقول الكثير من الجماعات "الجهادية" اليوم كلاما مشابها، فما هي النتائج التي أسفرت عنها عقود من المحاولات على مستوى المنطقة المستهدفة بالفعل القتالي هذا؟ هل تقدمت الحضارة العربية والإسلامية تخصيصاً والبشرية عموماً خطوات نحو الأمام أم تراجعت أميالاً إلى الوراء؟
هذا هو السؤال المطروح.

(أستاذ في كلية التربية - الجامعة اللبنانية)
المساهمون